ملخص
أُجريت يوم 6 أيار/مايو 2018 أوّل انتخابات محليّة في تونس بعد 2011. وهي رابع مناسبة انتخابية يُدعى إليها التونسيون بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي (2011) والانتخابات التشريعية (2014) والانتخابات الرئاسية في دورتيها (2014).
وتكمن أهمية هذه الانتخابات في أنها تندرج ضمن سياق تركيز السلطة المحلية في إطار الباب السابع من دستور 2014 المتعلّق باللامركزية. كما أن لنتائجها أهمية كبيرة بالنسبة للحياة السياسية بشكل عام. وقد يكون لها تأثير على الانتخابات التشريعية القادمة المُزمَع إجراؤها سنة 2019.
وأهمّ ما أفرزته هذه الانتخابات هو عزوف المواطنين عن العملية الانتخابية من ناحية أولى، حيث كانت نِسَبُ المشاركة ضعيفة جدّاً مقارنة بانتخابات 2014. ومن ناحية ثانية، فضّلت النسبة الأكبر من الناخبين انتخاب القوائم المستقلة على حساب القوائم الحزبية. وفي ذلك دلالة على أزمة الثقة بين الموطنين والطبقة السياسية. ولكن على العموم، عكست الانتخابات البلدية على المستوى المحلّي ما هو كائن على المستوى الوطني من سيطرة حزبي النهضة ونداء تونس على الحياة الحزبية وضعف باقي التشكيلات السياسية.
اقرأ المزيد
بعد طول انتظار، أجريت الانتخابات البلدية في تونس يوم 6 أيار/مايو 2018. وهي أول حلقة ضمن سلسة من الانتخابات تهدف إلى تفعيل الباب السابع من دستور 2014 المتعلّق باللامركزية، والذي وضع أسس السلطة المحليّة. إذ يجب أن يتمّ لاحقاً تنظيم انتخابات المجالس الجهوية ثم مجالس الأقاليم. وقد كان مسار تركيز هذا النظام متعثّراً، حيث أخذ وضع القوانين اللازمة وقتاً طويلاً.
كما تأجّلت الانتخابات البلدية مرّات عدّة بسبب عدم التوصّل إلى توافق بين مختلف الأطراف السياسية الفاعلة حول قانون الانتخابات المحلية الجديد ومجلّة الجماعات العمومية المحليّة. إذ تمّ تأجيل التصويت على القانون الانتخابي أكثر من مرّة. كما لم يتم التصويت على مجلة الجماعات العمومية المحليّة إلا مؤخراً، أي قبيل إجراء الانتخابات البلدية. وقد كان إجراء هذه الأخيرة، في البداية، مُقرّراً في تشرين الأول/أكتوبر 2016. ثم رُحِّل الموعد إلى 26 آذار/مارس 2017. وتأجّلت مرّة أخرى لأَجَلٍ غير معلوم، الأمر الذي أثار قلق المجتمع المدني والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. وتمّ تحميل المسؤولية للأحزاب السياسية الكبرى، وخاصة نداء تونس، لعدم جاهزيّتها للانتخابات. وصدر أخيراً، في 19 كانون الأول/ديسمبر 2017، أمر رئاسيّ يدعو عموم الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس البلدية يوم 6 أيار/مايو 2018.
وقد اقتضى الفصل 133 من الدستور أن يُنتخب أعضاء المجالس البلدية والمجالس الجهوية انتخاباً عامّاً حرّاً مباشراً سرّيّاً نزيهاً شفافاً. وهو ما دعا إلى ضرورة تنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء لإضافة جزء يتعلّق بالانتخابات المحلية والجهوية. وقد حدّد هذا القانون المدّة النيابية بخمس سنوات (الفصل 117-4). وأقرّ التصويت على القوائم في دورة واحدة، حيث يتمّ توزيع المقاعد على أساس التمثيل النسبي مع الأخذ بأكبر البقايا (الفصل 117-5). فتُوزّع المقاعد في مرحلة أولى حسب الحاصل الانتخابي، ثم يُوزّع الباقي حسب أكبر البقايا. ويُنتخب رئيس البلدية من بين رؤساء القوائم الفائزة، في الجلسة الأولى، من قِبل أعضاء المجلس البلدي بالأغلبية المطلقة للأصوات. وفي حال عدم الحصول على هذه الأغلبية، يتم التصويت في دورة ثانية، يتقدّم إليها المُرشَّحان المتحصّلان على أكبر عدد من الأصوات. وفي حال تساوي الأصوات بينهما، يتمّ تغليب الأصغر سنّاً.
والعدد الإجمالي للبلديات هو 350 بلدية موزّعة على 24 ولاية و27 دائرة انتخابية. وتراوح عدد المقاعد بالنسبة لكل بلدية بين 12 (أقل من 10 آلاف نسمة) و36 مقعداً (بين 100 ألف و200 ألف نسمة). وانفردت بلدية تونس، بأكبر عدد من المقاعد وهو 60 مقعداً (أكثر من 500 ألف نسمة) لتمثيل 637568 نسمة . وتُعتَبر بلدية تونس، التي أُنشئت سنة 1858، من أهمّ البلديات من حيث عدد السكّان ومن حيث قيمتها الرمزية. ويحمل رئيسها لقب "شيخ المدينة". وقد تكون هذه الأهمية أحد أسباب التنافس الشديد بين مُرشّحي حزب حركة النهضة وحزب نداء تونس لرئاسة هذه البلدية.
وشكّلت الانتخابات البلدية فرصة لإعادة تقييم الساحة السياسية وتمثّل المواطن للعمل السياسي والطبقة السياسية في ظلّ الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية، وبعد سبع سنوات في تجربة الانتقال الديمقراطي. وهي أيضاً فرصة للأحزاب السياسية الفاعلة لإعادة النظر في مدى قربها من الناخبين وفي استراتيجياتها وتموقعها السياسي استعداداً للانتخابات التشريعية القادمة، خصوصاً أمام ابتعاد المواطن عن الشأن السياسي، بحسب ما تعكسه نسب المشاركة.
نسبة إقبال ضعيفة
فاق العدد الإجمالي للناخبين المسجلين لانتخابات 2018 الخمسة ملايين (5.369.892 ناخباً). 52% من بينهم ذكور و48% إناث. ويتوزعون حسب الفئات العمرية كالآتي: 32.56% ممن يتراوح سنّهم بين 18 و35 سنة، 21.22% لمن سنّهم بين 36 و45 سنة، 27.12% لمن هم بين 46 و60 سنة، و19.01% لمن هم فوق الستين سنة.
وقد تراجعت نسبة المشاركة في 2018 مقارنة بالانتخابات التشريعية 2014، بشكل كبير. حيث توجه 1.909.742 مواطناً إلى صناديق الاقتراع، أي بنسبة 35.60% في حين امتنع 3.460.150 مواطناً عن التصويت أي بنسبة 64.40%. أما في 2014 فقد بلغت نسبة الإقبال على التصويت 64.70% (3.579.257) صوتاً. وهذا يعني أن المشاركة تراجعت بنسبة 23%.
وسُجِّلت أعلى نسبة للمشاركة في بلدية منزل حرب من ولاية المنستير (69.38%) في حين كانت أضعف نسبة في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة المعروفة بكثافتها السكانية. وهو حي التضامن حيث بلغت نسبة التصويت 46.18%. وحسب دراسة قام بها مكتب كونتيليكس للدراسات، فإن حركة النهضة هي المستفيد الأول من ارتفاع نسب الامتناع عن التصويت، حيث لُوحِظ أنه كلما قلّت نسبة المشاركة؛ كلما زادت حظوظ حزب حركة النهضة في الحصول على مقاعد أكثر.
كما سُجِّل ضعف الإقبال على التصويت لدى العسكريين وقوّات الأمن الداخلي أيضاً، وهم الذي حصلوا على الحق في الانتخاب بمقتضى الفصل السادس مكرر من القانون الانتخابي الجديد الذي ينصّ على: "يُرسَّم بسجل الناخبين العسكريون وأعوان قوات الأمن الداخلي في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواهما". وقد كان هذا الفصل محلّ خلاف بين الكتل البرلمانية، الأمر الذي تسبّب في تأجيل إصدار القانون أكثر من مرّة. وكان حزب نداء تونس من أكثر المتمسّكين بمراجعة هذا الفصل للسماح لهؤلاء بالمشاركة في الانتخابات، باعتبار أن ذلك لا يؤثر على حياد المؤسّستين العسكرية والأمنية المنصوص عليه في الدستور، نظراً إلى اختلاف طبيعة الانتخابات البلدية عن الانتخابات التشريعية والرئاسية.
في المقابل عارضت حركة النهضة منح حق التصويت للأمنيين؛ لأن ذلك قد يهدد العملية السياسية والانتقال الديمقراطي. وعبّرت النقابات الأمنيّة عن تمسّك الأمنيين بممارسة حقّهم الانتخابي لأنه يتعلّق بحقوق المُواطَنة المكفولة بالدستور. وتمّ التوصّل لتوافقٍ حول هذه المسألة عبر إسناد حقّ الانتخاب لهذه الفئة مع حرمانها من حقّ الترشّح لعضوية المجالس البلدية والجهوية. كما "يحجر القانون الانتخابي (في فصله 52 مكرّر) على العسكريين وقوات الأمن الداخلي المشاركة بأية كيفية كانت وبأية وسيلة من الوسائل في الحملة الانتخابية. وبالتالي لا يحقّ لهم المشاركة في الاجتماعات الحزبية أو أيّ نشاط له علاقة بالانتخابات عدا التسجيل والاقتراع في الانتخابات البلدية والجهوية وتأمين المسار الانتخابي في إطار مهامهم الرسمية. وكلّ عسكري أو أمني يشارك في أنشطة الحملة الانتخابية يُعزل بقرار من مجلس الشرف أو مجلس التأديب بعد السماح له بحقّ الدفاع".
وتمّت دعوة العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي لانتخاب أعضاء المجالس البلدية يوم 29 نيسان/إبريل 2018 أي قبل أسبوع من إجراء الانتخابات بالنسبة لعموم التونسيين، نظراً إلى أنّهم يتحمّلون مسؤولية تأمين العملية الانتخابية يوم 6 أيار/مايو. وتمّ فرز أصواتهم مع بقيّة الناخبين على مقتضى الفصل 103 مكرّر من القانون الانتخابي. وذلك لتجنّب خلق الجدل حول ولاء المؤسّسة الأمنية، والمحافظة على حيادية هذه الجهات. إضافة إلى ذلك، ولدواعٍ أمنية وللمحافظة على سلامتهم؛ لم تُعلَّق قوائم الناخبين الخاصة بالعسكريين والأمنيين في مدخل مركز الاقتراع أو مكتبه (الفصل 127 من القانون الانتخابي).
وكما هو الشأن بالنسبة لعموم الناخبين، كانت نسبة مشاركة العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي ضعيفة جداً. إذ شارك في عملية الاقتراع 4492 من حاملي السلاح من جملة 36495 مُسجَّلاً للانتخابات البلدية، أي بنسبة 12%. وأشار رئيس الهيئة العليا المُستقلّة للانتخابات في الندوة الصحفية المُنعقِدة يوم 29 نيسان/إبريل 2018 إلى أن ذلك قد يعود إلى الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات التي أطلقها عدد من النقابيين. وهو فعلاً ما دعت إليه نقابة قوات الأمن الداخلي وذلك من أجل ضمان حياد المؤسّسة الأمنية والنأي بها عن التجاذبات الحزبية.
من جهة أخرى، يرى البعض أن ظروف العمل (مراكز العمل بعيدة عن مراكز الاقتراع، نظام العمل 12 ساعة في اليوم، عدم التمتع بيوم عطلة...) هي التي ساهمت بشكل كبير في تدنّي نسب المشاركة.
ويمكن تفسير تراجع نسب المشاركة، مقارنة بانتخابات 2014، بعدد من الاحتمالات. أوّلها اختلاف السياق التاريخي. فقد رأى التونسيّون في الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 نهاية للأزمة السياسية وبداية لعهد جديد، شعر المواطن خلالها بأنه قادر على تغيير موازين القوى عبر دعم قوّة سياسية جديدة قد تضاهي الإسلاميين وتخلق التوازن في المشهد السياسي. بيد أنّه، ورغم فوز حزب نداء تونس بالمرتبة الأولى؛ فإنه لم يحقق النتائج المرجوَّة منه. إذ تحالف مع الإسلاميين. كما شهد انقسامات عديدة جعلته يخسر المرتبة الأولى في البرلمان. وقد جاءت انتخابات 2018 في سياق أزمة حكم مضاعفة بأزمة اقتصادية. فعكست نسبة المشاركة مدى أزمة الثقة بين المواطن والطبقة السياسية من جهة، وعدم الثقة في المنظومة ذاتها من جهة أخرى. ويزيد عدم وضوح البرامج والرؤى لدى السياسيين من تعميق هذه الأزمة.
ويتمثّل الاحتمال الثاني الذي قد يفسّر عدم إقبال المواطنين على الاقتراع في عدم الوعي بأهمية هذه الانتخابات وخصوصيتها. فالمواطن التونسي لم يعِ بعد أن انتخاب المجالس البلدية ثم الجهوية –لاحقاً- يندرج في سياق تركيز السلطة المحلية الذي يجب أن يُؤدّي إلى الديمقراطية المحلّية القائمة على التشاركية كما أرادها المُؤسِّسون. وينبع عدم وضوح الرؤية لدى الناخب والمُترشِّح، على حد سواء، من التأخير الكبير في إصدار مجلة الجماعات العمومية المحليّة التي تحدّد الصلاحيات الجديدة للمجالس البلدية والجهوية ومجالس الأقاليم وحدود سلطتها ودورها في تحقيق التنمية المحلّية والجهوية. كما ستضع آليات الديمقراطية التشاركية وآليات الرقابة على الجماعات المحلّية. فلم يساعد ذلك المترشِّحين على وضع برامج انتخابية واضحة تتماشى مع المرحلة الجديدة وتقترح سياسات عموميّة محليّة.
من فاز بالانتخابات؟
تقدمت 2074 قائمة إلى انتخابات مجالس البلدية، 1055 منها حزبية، و860 مستقلّة و159 ائتلافيّة. ولم يتمكّن سوى حزبي النهضة والنداء من تقديم مرشّحين في كلّ أو جلّ البلديات. إذ تقدّم حزب حركة النهضة في جميع البلديات (350 بلدية)، في حين تقدّم حزب نداء تونس في 345 منها. وشكّلت شروط قبول القوائم التي وضعها القانون الانتخابي عائقاً أمام الأحزاب الأخرى -بما في ذلك الأحزاب المُمثَّلة في البرلمان- حال دون تكوينها قوائم في جميع الدوائر الانتخابية.
ولعل أهم عائق كان شرط التناصف الأفقي. إذ حرص القانون الانتخابي الجديد على ضمان وجود المرأة والشباب والمعاقين في المجالس البلدية الجديدة. فتمّ تبنّي التناصف الأفقي (على مستوى رئاسة القوائم المُترشِّحة لأكثر من دائرة) والعمودي (في القائمة نفسها) بين الرجال والنساء مع ضرورة احترام مبدأ التناوب بينهما داخل القائمة. أما بالنسبة للشباب فقد نصّ الفصل 49-عاشراً من القانون الانتخابي على: "يتعيّن على كلّ قائمة مُترشِّحة أن تضمّ من بين الثلاثة الأوائل فيها مترشِّحة أو مترشِّحاً لا يزيد سنّه عن 35 سنة يوم تقديم طلب الترشّح. كما يتعيَّن على كل قائمة مترشِّحة أن تضمّ من بين كلّ ستّة مترشحين تِباعاً في بقية القائمة مترشِّحة أو مترشِّحاً لا يزيد سنّه عن 35 سنة يوم تقديم طلب الترشّح". وفرض القانون الانتخابي في فصله 49 (الفقرة 11) على القوائم المترشّحة أن "تضمّ من بين العشرة الأوائل فيها مُترشِّحة أو مُترشِّحاً ذا إعاقة جسدية وحاملاً لبطاقة إعاقة".
وأقرّ القانون عقوبات صارمة بالنسبة لشَرْطَي التناصف وعضوية الشباب. إذ تسقط القوائم التي لا تحترم هذه القواعد. في حين أن القوائم التي لا تتقيد بشرط انضمام ذوي الإعاقة تُحرم من المنحة العمومية فقط. وقد فازت النساء بنسبة 45.68%، 55.29% من بينهن رئيسات قوائم. وبالتالي مرشّحات أن يكنّ رئيسات مجالس بلدية. وتحصّل الشباب (دون 35 سنة) على أكبر نسبة من المقاعد (2673 مقعداً من جملة 7194) أي 37.16%. وتحصّل ذوو الإعاقة على 144 مقعداً، 15 من بينهم رؤساء قوائم.
ظاهرة المستقلّين
تصدّرت القوائم المستقلّة المرتبة الأولى وطنياً بنسبة 32.27% حيث تحصّلت على 581.730 صوتاً. ممّا أهّلها للحصول على 2367 من المقاعد. وقد فازت بذلك على القوائم الحزبية بما فيها قوائم الأحزاب الكبرى. وفازت بالمرتبة الأولى في 96 بلدية أي بنسبة 27%، ومن بينها بعض البلديات الكبرى في العاصمة، كالمرسى وأريانة، وداخل الجمهورية كالمنستير وتاجروين والشابة والمهدية. وحلّت في المرتبة الثانية في العديد من البلديات المتوسّطة في مختلف المناطق كالكاف وتطاوين وبن قردان والحمامات ومنوبة والمتلوي وزغوان والفحص.
وتوحي هذه النسب، للوهلة الأولى، بأن ثَمَّة قوّة جديدة صاعدة قد تنافس التشكيلات الحزبية الموجودة نالت ثقة المواطن التونسي. كما أن ذلك سيؤدي -إلى حد ما- إلى تجدّد النُّخب الحاكمة. لكن السؤال المطروح هو: من هم هؤلاء؟ وكيف تشكّلت هذه القوائم؟ وهل المستقلّ هو غير المُنخرِط في أي حزب سياسي؟ وهل يُفترَض أن لا يكون له أيّ توجّه سياسي أو إيديولوجي؟ وهل هذه القوائم هي وَجَاهَات محليّة؟ أسئلة كثيرة، تتطلّب الإجابة عنها القيام بدراسات ميدانية.
بيد أنه يمكن القول مبدئيّاً، وبعد مراجعة بعض المعطيات، إنه لا يمكن اعتبار المستقلين كتلة متجانسة تمثّل قوة سياسية صاعدة نظراً لعدم تجانس مكوِّناتها واختلافها بين بلدية وأخرى. ومن جهة أخرى، ثَمَّة العديد من القوائم المستقلّة مدعومة من الأحزاب. ومثال ذلك، القوائم المستقلّة المدعومة من الاتحاد المدني المكوّن من قبل عدد من الأحزاب الصغيرة.
النهضة ونداء تونس في طليعة القوى السياسية
بقي حزبا النهضة والنداء في طليعة الفائزين في الانتخابات البلدية 2018. لكن الأمر اختلف عن الانتخابات التشريعية لسنة 2014 من حيث عدد الأصوات المُتحصّل عليها ومن حيث الترتيب. فقد تحصّلت حركة النهضة على 516.379 صوتاً أي بنسبة 28.64%، في حين تحصّل نداء تونس على 375.896 صوتاً بنسبة 20.85%. وبذلك يُسجَّل تقلّص في القاعدة الانتخابية لكلّ منها مقارنة بانتخابات 2014.
وتبقى حركة النهضة الحزب الفائز في الانتخابات رغم تقلّص قاعدتها الانتخابية، حيث خسرت ما يُناهز النصف من ناخبيها (430.655 صوتاً). وهذا مُهمّ بالنسبة لحزب هو أكثر الأحزاب تنظيماً في البلاد. ولم يشهد ما شهده غيره من تصدّعات وانشقاقات. بيد أنها كانت الأولى بنسبة 44% من البلديات وفازت بـ 2135 مقعداً. وتُظهِر المقارنة بين الخارطة الانتخابية لسنة 2014 وخارطة 2018 أن النهضة حافظت على نفوذها في الجنوب. وامتد هذا النفوذ إلى المناطق الساحلية والشمال.
أما نداء تونس فقد خسر 904.045 صوتاً مقارنة بـ 2014 حيث تحصّل في 2018 على 375.896 صوتاً فقط. ويعود هذا إلى عدة أسباب. أوّلها أن ما تحصّل عليه نداء تونس من أصوات في 2014 كان في إطار تاريخي وسياسي معيّن حيث استفاد من التصويت النافع الذي دعت إليه القوى الديمقراطية من أجل الدفع بقوّة سياسيّة جديدة تضاهي حركة النهضة لخلق توازن في البلاد. كما استفاد من عدم الرضا عن أداء حكومة الترويكا التي قادها الإسلاميون لمدة ثلاث سنوات أدّت إلى أزمة 2013 (اعتصام الرحيل). ولكن نداء تونس تعرّض بعد فوزه في الانتخابات التشريعية إلى أزمات عدّة، أدّت إلى انقسامه وانسحاب العديد من المؤسسين الذين توجّهوا إلى تأسيس أحزاب جديدة.
وأكدت نتائج الانتخابات البلدية عدم تمكّن أي حزب سياسي من البروز كقوّة سياسية ثالثة إلى جانب النهضة ونداء تونس. فالتيار الديمقراطي الذي احتل المرتبة الثالثة في ترتيب الأحزاب تحصّل على نسبة 4.2% فقط. وتلته الجبهة الشعبية بنسبة 3.95%. وإذا كان التيار الديمقراطي قد حقّق فوزاً بهذه النتائج؛ فإن الأمر يُعدّ إخفاقاً بالنسبة للجبهة الشعبية، التي احتلّت المرتبة الثالثة في انتخابات 2014، والتي فقدت جزءاً من قاعدتها الانتخابية. في حين أن التيار الديمقراطي عرف زيادة بـ 13% من الأصوات. أما بقيّة الأحزاب فقد تراوحت نسبها بين "الصفر فاصل" والواحد فاصل". وهذا المشهد على مستوى المحليّات لا يختلف عن المشهد السياسي على المستوى الوطني.
الخلاصة
أفرز نظام الاقتراع المُعتمد في الانتخابات البلدية مجالس بلدية فسيفسائية لا أحد يملك بها الأغلبية المُطلقة. إذ ستكون على شاكلة مجلس نوّاب الشعب. وهو ما سيتطلّب عقد تحالفات ومفاوضات من أجل إيجاد توافقات. لكن خلافاً للبرلمان؛ فإن التحالفات على المستوى المحلي لن تخضع بالضرورة لمنطق التحالف الحزبي. وقد بدأت المفاوضات بين مختلف التشكيلات الفائزة من أجل الاستعداد لانتخاب رؤساء المجالس البلدية. وفي هذا السياق، احتدّ الجدل حول رئاسة بلدية تونس بين مُرشَّحة حركة النهضة سعاد عبد الرحيم وكمال أيدير مُرشّح نداء تونس.
وتكتسي هذه الانتخابات أهمية كبيرة بالنسبة للأحزاب الفائزة لأنها ستجعلها أقرب إلى المواطن على المستوى المحليّ. ممّا قد يساعدها في تغيير صورتها وكسب ثقته استعداداً للانتخابات التشريعية القادمة. كما أنها مهمّة بالنسبة للمواطن باعتبار أنها تركّز أول حلقة في الديمقراطية المحلية. وما سيحدث داخل المجالس سينعكس سلباً أو إيجاباً على تركيز السلطة المحلية من ناحية، وعلى الخدمات التي من المُفترض أن تُقدّم للمواطن في إطار هذا النظام الجديد من ناحية أخرى.
المراجع
- Boileau Louis-Simon et Elleuch Mahdi, «Tunisie : une élection sans vainqueur. Analyse des élections municipales du 6 Mai 2018», Fondation Jean Jaurès, 24 mai 2018.
- Hammai Moez, «Tunisie les «vrais» gagnants des municipales de 2018», Kapitalis 10/5/2018.
http://www.isie.tn/ar/الانتخابات/الانتخابات-البلدية-2018/
http://haica.tn/2018/04/تقرير-حول-رصد-التغطيّة-الاعلاميّة-للح-2/
http://www.targa-consult.com/2018/05/17/tunisie-resultats-elections-municipales-2018-ar/
أمر حكومي رقم 1033 لسنة 2017 مُؤرّخ في 19 كانون الأول/سبتمبر 2017، يتعلّق بضبط عدد أعضاء المجالس البلدية، الرائد الرسمي رقم 75، 19 أيلول/سبتمبر 2017، ص 3130.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.