تنص المادة الأولى من الدستور الأردني على أن نظام الحكم فيه "نيابي ملكي وراثي". وبذلك من المفترض أن يكون الأردن دولة ديموقراطية دستورية ملكية، شبيهة بالملكيات الأروروبية المعاصرة مثل بريطانيا، والسويد، وأسبانيا، وبلجيكا. وفق دساتير هذه الملَكيات الديموقراطية، وعلى مثالها صيغ الدستور الأردني، تكون السلطة بيد حكومة منتخبة، فيما تشكل الملكية إطاراً رمزياً للنظام السياسي وللمجتمع: أي أن الملكية تملك ولا تحكم. ولو نجح الأردن في إنتاج نفسه وفق ما ينص عليه الدستور لقدم نموذجاً ريادياً في الديموقراطية في العالم العربي. ففي هذه البقعة من العالم، ما تزال غالبية الدول تخضع إلى أنماط حكم وراثية سواء من خلال ملكيات متجذرة أو ملكيات مستجدة (مثل الجمهوريات المتحولة تدريجياً إلى نمط حكم التوريث). لكن بعد ثمانية عشر عاماً من تنظيم أول أنتخابات نيابية أردنية، سنة 1989، أعقبت إلغاء الأحكام العسكرية التي فرضت في البلاد إثر حرب 1967 وإحتلال الضفة الغربية من قبل إسرائيل، ما زالت "الديموقراطية الأردنية" عصية على الترسخ، فضلاً عن أن تقود البلاد إلى تقديم نموذج جديد في الحكم. الدورات الإنتخابية أصبحت رتيبة، والعملية السياسية غير تراكمية ولا يجمع الأطراف المشاركة فيها رؤية وطنية ذات بوصلة بعيدة المدى. والتداخل الأردني الفلسطيني، ديموغرافياً وسياسياً، والأبعاد الإقليمية للوضع الأردني، أدت إلى تشتت إضافي للبوصلة الوطنية المحلية. أما البرلمان فتتناهشه قوى محافظة في مجملها، إسلامية حزبية، أو قبلية عشائرية، أو مؤسساتية تقليدية، فيما القصر والديوان الملكي يشد بإتجاه طروحات ليبرالية وحداثية. والحكومات المشكّلة في الوسط تحاول التوفيق والجذب بين محافظة البرلمان وحداثة القصر فيتمزق أداؤها، ويتم تغييرها بشكل بالغ السرعة. يحتاج الأردن إلى "مشروع دولة ومجتمع" يكون أكبر من القصر والبرلمان والحكومات، ويكون بإمكانه مناغمة عمل المؤسسات الثلاث لتسير في إتجاه واحد. لكن قبل الحديث عن هذا "المشروع"، يجدر التوقف عند نتائج الإنتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 والتأمل فيها وإستخلاص درس إضافي لا هدف له سوى التأكيد على أن المسار الديموقراطي الحالي في الأردن بحاجة إلى نفض وتثوير حقيقيين.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.