تميل أدبيات الانتقال الديمقراطي التقليدية إلى تقديم وصفة لعملية الانتقال تركز على جوانب إجرائية وإهمال الأبعاد الجوهرية للصراع الاجتماعي والسياسي المرتبط بانهيار الأنظمة السلطوية.
يتعقد الأمر أكثر عندما يتأسس الانتقال الديمقراطي على ثورة، كما هو الحال في مصر. فالثورة بطبيعتها تفتح مسام كل القوى الاجتماعية لتستنشق هواءً جديدا، مما يضع "المستضعفين في الأرض" في موضع صناع التاريخ بعد أن ظلوا لعقود طوال موضوعا له. وهو ما يتحدى عمليا نظريات الهندسة السياسية من أعلى وما تقترن به من خرائط طريق مقترحة لإجراءات الانتقال، مهما كانت تلك الأخيرة متقنة شكليا ومدروسة منطقيا.
ربما يكون الدكتور محمد البرادعي، على سبيل المثال، مقتنعا تماما بأن "الخطيئة الأصلية" تكمن في عدم اتباع نصيحته المتمثلة في شعار "الدستور أولا" كمفتاح لخريطة طريق للانتقال الديمقراطي الآمن والسلس. لكن الحقيقة التي أظن أن المتابع المدقق للثورة المصرية سيقرها هي أنه أيا ما كان ترتيب الإجراءات الانتقالية، لم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال تجنب الصراع الضاري بين قوى طبقية وسياسية أطلقتها الثورة من عقالها بعد انهيار السلطوية القديمة، ومن ثم فإنه من العبث حصر أفق الفكر في سلامة الإجراءات دون البحث في طبيعة الصراع الجوهري الدائر وكيفية تحقيق النصر فيه للقوى الديمقراطية.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.