السياسة الإقليمية الجديدة للمملكة العربيّة السعوديّة والتحدي الجهادي على المحك

الوكالة الأوروبية للصور الصحفية © EPA

لطالما كان عزم المملكة العربيّة السعوديّة على محاربة التطرُّف والجماعات الجهاديّة موضعَ شبهةٍ في الرأي العام الدوليّ (كوسائل الإعلام) ولدى دولٍ أخرى، من بينها الحلفاء المعلنين للمملكة. كان هذا هو الحال مع تنظيم القاعدة خلال التسعينيات في أفغانستان، وهو كذلك اليوم مع نشوء تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش). ولما كان العاهل الجديد، الملك سلمان، يُعرف بتعاطفه مع الفصائل الدينيّة المحافظة ولا سيما السلفيِّين الذين يشاركون القاعدة وتنظيم الدولة رفضهم للشيعة، ونظراً لسياسة المملكة العربيّة السعودية الأكثر قوّة في اليمن وسوريا، أصبح الموقف السعودي تجاه التطرُّف والجماعات الجهاديّة أشدّ حساسية. ويشكِك الكثيرون بالسياسة الإقليمية الجديدة للمملكة ويرونَها متناقضةً ومهددة لاستقرار المنطقة المستقبليّ.

ما الذي تغيَّر مع سياسة الملك سلمان الإقليميّة الصارمة؟

مع وصول الملك سلمان إلى العرش في 23 كانون الأول / ديسمبر 2015، ظهر فجأةً نهجٌ إقليميّ  أكثر تبنيّاً لسياسات تدخليّةً وحمل تحولاتٌ سياسيّة تكتيكيّة جديدة، خلقت قطيعة جذريّة مع السياسة الإقليميّة منخفضة الحدّة المعهودة للمملكة. يطرح هذا الموقف الجديد عدداً من التكهنات، تحديداً، فيما يخص الجماعات الجهاديّة والطائفيّة.

يعزز هذا النّهج الجديد التقارب السياسيّ مع أعداء الماضي القريب كجماعة الإخوان المسلمين الإقليميّة، بما في ذلك حركة حماس في فلسطين ، وحزب الإصلاح في اليمن، والإخوان المسلمين في سوريا ممثلين بشكل رئيسيّ  بجيش الفتح، أحد أكثر جماعات الثوار المسلّحة التي تقاتل بشار الأسد وتهاجم مواقع تنظيم الدولة في سوريا كفاءةً. إنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تعد تعتبر تهديداً مباشراً للمملكة بل هي تشاطرها الأهداف السياسيّة، كهزيمة الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن. في نفس الوقت، ترى جماعة الإخوان المسلمين والحركات السياسيّة السنّيّة الأخرى - التي تتراوح بين حزب العدالة والتنميّة في تركيا وحزب النهضة في تونس- مصالحها أكثر اتساقاً مع قيادة الملك سلمان . لقد دعم معظم النشطاء الإسلاميين البارزين في المملكة العربية السعودية والأردن والكويت والبحرين، الحملة العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن فضلاً عن الدعم المسلّح لجماعات الثوار في سوريا كما تركيا وقطر.

وبغرض الاستفادة الكاملة من قتال المملكة ضد الحوثيين في اليمن ومواقف الأسد في سوريا، اختار الملك سلمان، بمساعدة وكالتي الاستخبارات العامة والمباحث ، الوِفاق التكتيكيّ مع الجماعات المرتبطة بالقاعدة: تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة في اليمن، إضافةً إلى جبهة النّصرة وأحرار الشام في سوريا. ويطمح مثل هذا التّحرك التكتيكيّ إلى الحدّ من النفوذ الإقليميّ الإيرانيّ في الشرق الأوسط ومحاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة. وتختلف هذه الخيارات الاستراتيجية التي اتخذها الملك سلمان اختلافاً جذرياً عمّا كان لسلفه الملك عبد الله. فسياسة الملك سلمان الإقليميّة لا تجد مجدياً وضع إيران وحلفائها الشيعة (حزب الله أو الحوثيين)، والحركات السُّنِّية الجهاديّة (الدولة الإسلامية، جبهة النّصرة، أحرار الشام)، والتيّار الإسلامي الرئيسي متمثلاً بالإخوان المسلمين كلها على نفس مستوى التهديد. وهي تعتبر في نفس الوقت، بأن هذا التشميل سيؤدي إلى الفشل، كما حدث في عهد الملك عبد الله . لذلك كانت استراتيجية الملك سلمان الجديدة تتمثّل في توحيد أكبر قدرٍ ممكن من الإسلاميين السّنّة  لإضعاف تكتل طهران المتماسك المكوّن من وكلائها الإقليمين الشيعة.

التحديات والمخاطر التي تواجه مستقبل استقرار المملكة العربية السعودية الداخلي

إنّ السّعي لتحسين العلاقة مع جماعات الإخوان المسلمين لا يعني للملك ولولي العهد تطبيع العلاقة بشكل كامل مع التيّار الإسلامي السياسيّ الرئيسي. فهما لا يزالان يعتبِران الإخوان المسلمين خطراً مطلقاً على سلطة العائلة الملكيّة السعودية. وبالتأكيد، لا يلقى هذا "التحالف السّنّيّ" قبولاً كاملاً من مصر والإمارات العربيّة المتّحدة، اللتين لم تُظهرا أيّ علامات للتصالح مع الإخوان.

وتشكّل خطة تنظيم الدولة الإسلامية الانتقالية العنفيِّة لتوسيع رقعة سيطرته، والذي يأتي في صميم منظور أبو بكر البغدادي للخلافة، خطراً وجودياً على الشرعيّة الدينيّة السعوديّة لدى المسلمين السنة . ومع الهجمات الحاليّة على الأهداف الشيعيّة في شبه الجزيرة العربية (المساجد الشيعيّة في الرياض والكويت في 2015، التي ذهب ضحيتَها 29 شخصاً، وفي صنعاء خلال نفس الفترة)، برز الشيعة في الخليج كهدف مباشر للدولة الإسلاميّة.

يسعى تنظيم الدولة الإسلاميّة إذن لأن يكون المدافع الحقيقيّ عن الإسلام السّنّة، ويحاول ضعضعة السّعودية من خلال تسليط الضوء على تناقضات السياسة الدينيّة للمملكة العربيّة السعوديّة فيما يخصّ سكانها الشيعة. وقد حاولت الرياض، في مواجهة هذه الهجمات، أنّ تقلِب حالة التمييز التي تمارسها ضد الأقليّة الشيعيّة فيها بخطاب وطنيّ يدعو لتوَّحُّد جميع السعوديين ويدّعي أنّهم جميعاً جزءٌ من نفس الأمّة. ولكن رغم ذلك، يبقى تحجيم النفوذ الإيرانيّ والشيعيّ أولويةً في السياسة الإقليميّة الجديدة الصارمة للمملكة العربيّة السعودية – وتحدّياً لطموحات المملكة الداخليّة والإقليميّة. في حين ينتهز تنظيم الدولة الإسلاميّة هذا الوضع لتغذية نزاعٍ طائفيّ جديد.

إنّ اختراق المملكة العربيّة السعودية من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية (الذي ظهر مع اعتقال أكثر من 400 عنصر من خلية تابعة للتنظيم في 19 تموز / يوليو 2015) جنبا إلى جنب مع الأزمة الأمنيّة المستمرّة على الغالب والتي يفرِضها الحوثيون على الحدود السعودية الجنوبية، تشكل جميعها جانبا في غاية الخُطورة على مستقبل استقرار البلاد الداخليّ. ومن أجل ترجيح كفة ميزان القوّة الذي ما يزال في صالح السيطرة الإيرانيّة في العراق وسوريا ولبنان، يقوم الملك سلمان برسم أولويات جديدة وخيارات تكتيكيّة تُعيد وضع المملكة العربيّة السعوديّة في قلب اللّعبة الإقليميّة. إلا أنّ هذه التحولات تبقى قصيرة النظر وتترك شكوكاً استراتيجية على المدى الأطول.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.