قبل أن نتعرض إلى حقوق الأقليات لا بد ان نحدد مفهومها وطبيعتها وأشكالها.
لا يوجد تعريف متفق علية للأقليات في العالم.<
يقدم سعد الدين إبراهيم، في كتابه تأملات في مسالة الأقليات، مجموعة من التعريفات من بينها التعريف المستعار من الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية وهذا نصه:
"الأقلية هي جماعة من الأفراد يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو دينياً أو لغوياً "
وحسب التعريف المتفق عليه في منظمة الأمم المتحدة، يمكن تقديم أربعة معايير لتعريف الأقليات. وهي ان تتركب الأقلية من عدد من المواطنين أقل بكثير من جملة المقيمين في البلاد وأن تكون في موقع غير مؤثر داخل البلاد وأن لديها خصوصيات عرقية او دينية او لغوية. أو ان تقيم داخل البلد.
وتختلف الأقليات فيما بينها نوعاً وهوية وانتماء، كما تأخذ تسميات مختلفة مثل: جالية أو فئة أو طائفة أو ملة أو فرقة أو مجموعة وغيرها من تسميات تدل في الغالب على جذور الأقلية وأصولها، وهويتها الاجتماعية والبشرية. وتنضوي تحت مفهوم الأقليات أنماط وأنواع مختلفة منها: الأقلية العرقية والأقلية الدينية والأقلية اللغوية والأقلية المذهبية والأقلية القبلية ـ العشائرية والأقلية الإقليمية والأقلية الثقافية والأقلية السياسية والأقلية الاقتصادية ـالاجتماعية والأقلية القومية المتعددة الجذور والأقليات الجنسية. ومع ذلك فإن الأقليات العرقية و"الإثنية" العنصرية، هي والأقليات الدينية ـ المذهبية، أكثر أنماط الأقليات ظهوراً في العالم، وهي تكمن وراء أغلب الصراعات التي تنشب من حين إلى حين بين الأقلية والأكثرية في بلد ما .
ولتحديد معنى ومفهوم الأقليات، اعتمدت منظمة الأمم المتحدة مجموعة من النصوص الدولية حاولت من خلالها الاعتراف بحقوق الأقليات وفي أغلب الأحوال أقرت مجموعة من الحقوق للأشخاص المنتمين للأقليات.
هكذا ظهرت اتفاقية منع الإبادة الجماعية لتضمن في مادتها الثانية ضمان حقوق الأقليات من حيث منع تعرضها لمثل هذه الجرائم. وأقرت اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم التي أبرمتها اليونسكو في 14 ديسمبر1960 في مادتها الخامسة حقوق الأقليات في التعليم وإلزام الدول الأطراف اتخاذ كل التدابير المتعلقة بهذه الحقوق .
ثم جاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لينص في المادة 26 على أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون بغض النظر عن العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها، وليحدد في المادة 27 أنه لا يجوز إنكار حق الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات عنصرية أو دينية أو لغوية في دولة ما في الاشتراك مع الأعضاء الآخرين من جماعتهم في التمتع بثقافتهم أو التصريح علناً بديانتهم واتباع تعاليمها أو استعمال لغتهم .
كل هذه الاتفاقيات الدولية تدعمت منذ 1992 بصدور الإعلان العالمي إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو "إثنية" وإلى أقليات دينية ولغوية وتأكدت بإعلان وبرنامج عمل مؤتمر فيانا لحقوق الإنسان المنعقد سنة 1993 الذي تضمن بنوداً تتعلق بحقوق الأقليات في العالم، مثل حق التنمية وحقوق الفئات المضطهدة والمظلومة تاريخياً بحكم عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية.
اما على المستوى المحلي، فالمشرع لم يهتم بوضع الأقليات ولم يصدر قوانين لحماية حقوقها. وكان من المنتظر ان يتم الاعتراف بها في الدستور التونسي بعد المطالبة بذلك من قبل منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال الأقليات. لكن الدستور اكتفى بإقرار حقوق عامة تنطبق على كل المواطنين والمواطنات.
1- تجاهل حقوق الأقليات في الدستور
تغيب الحماية القانونية للأقليات في الدستور باستثناء حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. يخلو الدستور الجديد من أية إشارة لموضوع الأقليات. مما يفسح المجال للإقصاء والعزل والاضطهاد ويدل على عدم احترام حقوق الإنسان والخروج عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وروح المواطنة.
وقد عبرت رئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات عن نتائج عدم الاعتراف بهذا التجاهل قائلة:" «تجاهل الأقليات أخطر من اضطهادها»، كاشفة عن هجرة واسعة للأقليات في تونس عقب ثورة الياسمين خشية التعرّض للأذى من المتعصبين دينياً ومتهمة الحكومة بتجاهل قضيّة الأقليات واستغلالها أحياناً في الدعاية السياسية والإعلامية لها في الغرب .
لكن يمكن لنا في هذا الإطار الرجوع إلى بعض احكام الدستور لتكون منطلقا للتشريع القانوني القادر على مواجهة أي اعتداء مادي أو معنوي ضد تلك الأقليات. فبإمكاننا من جهة الرجوع إلى الفصل 21 من هذا الدستور الذي يقر المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات ومن جهة اخرى تحديد دور الدولة في تحقيق المساواة.
فالدولة مطالبة في الفقرة 2 من الفصل 21 بضمان الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيئة أسباب العيش الكريم.
وهي الكافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية (الفصل 6). كما أنها المكلفة بحماية كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد ومنع التعذيب المعنوي (الفصل 23) وبحماية الحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية (الفصل 24) وبإقرار الحق في الصحة لكل إنسان و ضمان الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفير الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية (الفصل 38) والعلاج المجاني لفاقدي السند ولذوي الدخل المحدود و الحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانون.
كما ان الدولة مطالبة بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من التمييز لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة اعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك (الفصل 48)
انطلاقا من هذه الأحكام يمكن أن نعتبر ان الدولة ملزمة بضمان حقوق كل المواطنين والمواطنات دون تمييز من أي نوع كان.
وبصفتها الساهرة على احترام الدستور عن طريق رئيسها حسب احكام الفصل 72 من الدستور الذي ينص أن:" رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور "فإن الدولة مطالبة بالسهر على تمتع كل المواطنين والمواطنات بالحقوق التي أقرها الدستور على أساس المساواة ودون تمييز.
وفي هذا الإطار سنبحث اليوم في وضع الأقليات في تونس وكيفية معاملتها
2- وضع الأقليات في تونس بين الصمت القانوني والتمييز
نجد في تونس العديد من الأقليات من انواع مختلفة ومنها خاصة الأقليات الدينية: الشيعة والبهائية والمسيحية واليهودية والأقليات العرقية: السود، الأمازيغ (وهم السكان الأصليون لتونس) الأقليات الجنسية: المثلية الجنسية والأقليات الصحية والاجتماعية: الأشخاص ذوي الاعاقة.
يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة حسب احصائيات المنظمة الدولية للصحة في أفريل 2011 بين %10 و13 % من مجموع السكان55 % منهم أميين. ويشكو الأشخاص ذوي الاعاقة من تقييد حرية التنقل وعدم تسهيلات الوصول الى الفضاءات العامة والمؤسسات المفتوحة للعموم اضافة لتضارب مفهوم قانوني واضح للمصطلحات المرتبطة بالإعاقة والتعاطي معها وفقا للمقاربة الطبية والاجتماعية وغياب المقاربة الحقوقية وعدم تلاؤمها مع القوانين المتعارف عليها دوليا. كل هذا الى جانب التمييز المضاعف ضد النساء والأطفال على أساس الجنس والإعاقة وتقييد المشرع لأهلية ذوي الإعاقة البصرية والسمعية في مجال المعاملات المدنية والتجارية وفقا للقانون 66 لسنة 2008 وعدم اعتماد الدولة للتصاميم الشاملة واللغات غير الكلامية )لغة الإشارات,التواصل بالإشارات الضوئية والصوتية( وطريقة كتابة برايل لذوي الإعاقة في مجال الولوج و النفاذ للمعلومة الإدارية و كذلك في البرامج التربوية القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المنقح سنة 2016 لم يضبط آليات لمراقبة احترام نسبة 2 % لتشغيل الأشخاص ذوي الاعاقة ولم يتمتع بالتشغيل الا عدد محدود منهم مدمج في سوق الشغل) 2.5 % من الرجال المعاقين و 0.5 % من النساء ذوات الاعاقة(. لكن وضع الأشخاص ذوي الإعاقة يبقي أحسن بقية الأقليات نظرا للاعتراف بحقوقهم في الدستور وفي القوانين الخاصة بهم .
لذا سنخصص هذه الفقرة إلى الأقليات الأكثر عرضة للانتهاكات وهي الأقليات العرقية والأقليات اللغوية والأقليات الجنسية.
الأقليات العرقية
حتى وإن ألغت الدولة التونسية العبودية منذ 1846 إلا ان التمييز العنصري مازال قائما في تونس.
في الجنوب التونسي في بعض القرى التونسية، لازالت بعض وسائل النقل تخصص حافلات للبيض وحافلات للسود ولازالت المقابر الخاصة بالسود موجودة.
وبصفة عامة تشكو الأقليات العرقية من مظاهر التمييز في المعاملات اليومية والسياسية. ففي التعيينات على رأس المؤسسات لا نجد رجالا او نساء من السود. وعادة يكون اختيار الزوج غير مختلط بين البيض والسود. كما ان نظرة المجتمع للسود لا تزال تمييزية نظرا للعقليات السائدة الرافضة لحق الاختلاف
وبعد الثورة، برزت مظاهر جديدة للتمييز العنصري خاصة في الفضاءات العامة تتمثل في تعنيف بعض المواطنين السود وبعض الطلبة الأجانب القادمين من دول جنوب الصحراء الافريقية، والذين نظموا العديد من التظاهرات الثقافية والتجمعات السلمية للتنديد بالتمييز الذي يعانون منه.
وقد تأسست لهذا الغرض جمعيات لمقاومة التمييز العرقي مثل الجمعية التونسية لمساندة الأقليات. قامت هذه الجمعية بنشاطات في الفضاءات العامة لمطالبة الدولة بالاعتناء بهذه القضية وللاعتراف الدستوري بحقوق الأقليات. كما احيت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان، يوم الاثنين 26 ديسمبر2016، بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان يوما وطنيا ضد التمييز العنصري في شكل ندوة علمية وأنشطة توعوية وتثقيفية و فنية بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.
وفي غياب قانون يجرم ممارسات التمييز العنصري في تونس، تقدمت الشبكة "الأورومتوسطية " لحقوق الإنسان واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الانسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جوان 2016 بنص قانوني تبنته مختلف الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب وأودعته لدى لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية كمبادرة تشريعية للحد من التمييز العنصري.
وتمثل هذا المقترح في مشروع قانون أساسي يتعلق بالقضاء على التمييز العنصري، يهدف إلى تجريم كل أشكال التمييز بين البشر والقضاء عليها، وتحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، عبر التصدي لمختلف أشكال التمييز العنصري وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم، ووضع الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه.
ويهدف مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على التمييز العنصري، وفق الفصل الأول منه، إلى القضاء على كل أشكال التمييز بين البشر، من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، عبر تحديد مفهومه ومعاييره والتصدي لمختلف أشكاله وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم ، ووضع الآليات الكفيلة بحماية ضحاياه. و يركز في بابه الثاني بالخصوص المتعلق بالحماية ، على أن تضع الدولة التدابير اللازمة، من خلال سياستها الوطنية أو الجهوية أو المحلية والخطط الاستراتيجية ، بما في ذلك تخصيص الميزانيات الضرورية لتنفيذ وتقييم ومتابعة مكافحة النعرات المؤدية إلى التمييز العنصري، وتعزيز التفاهم والتسامح بين كافة الأجناس والمجموعات والفئات على اختلاف انتماءاتها، والقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري في الفضائين العام والخاص وفي كل المجالات.
الأقليات الثقافية: الأمازيغ في تونس
تعتبر فئة الأمازيغ في تونس من ضمن الأقليات في التركيبة السكانية ويبلغ عددهم نحو 500 ألف، أي 5% بالمائة من سكان تونس، ولا يتحدث اللغة الامازيغية سوى 2 % منهم، فيما يعيش أغلبهم بين قبائل الجنوب التونسي بمطماطة وتمزرط وزراوة وتاجوت
والهوية الأمازيغية التي هي الاصل في شمال أفريقيا لا يمكن اختزالها إلى عنصر، وأحيانا وصفها بالأقلية التي يجب أن تمنح رقعة صغيرة. يذكر أنّه صدر يوم 20 أكتوبر 2004 بيان عن المؤتمر العالمي للأمازيغ بباريس بعنوان “أمازيغ تونس في الطريق إلى الاندثار. ودعا البيان كل المنظمات غير الحكومية وأصدقاء الشعب الأمازيغي إلى التصدي للانتهاكات الخطيرة للحريات وللحقوق التي سيتعرض لها أمازيغ تونس. لكن رغم ذلك طمست الهوية الأمازيغية في تونس، حيث رفع مطلب الاعتراف بالأمازيغ كمكوّن من مكونات الدّولة التونسية، من قبل مجموعة من النّشطاء الأمازيغ في الشمال الغربي لتونس أواخر سبعينيات القرن الماضي وبداية الثمانينيات. لكن، وضعت سلطة الإشراف زمن الرئيس بورقيبة حدّاً لهذا المطلب وقامت بحظر نشاط الأمازيغ. وقد طُمست الثقافة الأمازيغية لعقود طويلة، رغم تاريخها الزاخر بالأحداث.
بعد 2011، ظهر العديد من الجمعيات والنشطاء المدافعين عن الهوية الأمازيغية وتعددت إبان ذلك التحركات الاحتجاجية المطالبة بالاعتراف بالأمازيغ كمكوّن من مكونات الدّولة التونسية من اجل حماية هويتهم التي باتت مهددة في ظل الانتهاكات المتواترة للحريات وللحقوق التي تتعرض اليها الأقليات في تونس. لكن بقي الوضع على حاله واستمرت المطالبة بالاعتراف بالحقوق الثقافية للأمازغيين. وقد تبنت هذه المطالب منظمة "المؤتمر الأمازيغي العالمي" وقدمت تقريرا بديلا حول الاقصاء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأمازيغيين في تونس في جوان 2016 بمناسبة دراسة تقرير تونس حول تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من قبل اللجنة المعنية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في دورتها 59
وفي هذا الإطار جاءت ملاحظات وتوصيات اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية توجّه أصابع الاتهام إلى الدولة التونسية بـتشويه سمعة ثقافتها الأمازيغية .
فأعربت اللجنة في الفقرة 54 من ملاحظاتها الختامية عن الانشغال إزاء ما ورد من معلومات عن التمييز الذي تتعرض له أقلية الأمازيغ، وخاصة في ممارسة حقوقها الثقافية، وإزاء نقص البيانات المصنفة حسب الانتماء الاثني والثقافي، وهو ما يحول دون تقييم الوضع الحقيقي للأمازيغ (الفقرة 2 من المادة 2، والمادة 15). ولاحظت اللجنة أن تعريف الهوية العربية والإسلامية يمكن أن يفضي إلى انتهاكات للحقوق اللغوية والثقافية للأقلية الأمازيغية، وذلك من خلال فرض اللغة العربية لغةً وحيدةً في نظام التعليم العام. وأخيراً لاحظت اللجنة ضعف الموارد المخصصة في الميزانية لثقافة الأمازيغ ولحماية تراثهم الثقافي، وأعربت عن أسفها لذلك.
ولذا أوصت اللجنة بأن تعترف بلغة الأمازيغ وثقافتهم كشعب أصلي وأن تكفل حماية وتعزيز لغة هذا الشعب وثقافته. وإضافة إلى ذلك، أوصت الدولة، انطلاقاً من التحديد الذاتي للهوية، بتقديم إحصاءات مصنفة حسب الانتماء الاثني والثقافي وباتخاذ تدابير تشريعية وإدارية تكفل توفير التعليم بلغة الأمازيغ في جميع مراحل التعليم، وتشجيع دراسة تاريخ الأمازيغ وثقافتهم وتسيير الأنشطة الثقافية التي تنظمها الجمعيات الثقافية الأمازيغية. وابطال العمل بالمرسوم رقم 85 المؤرخ 12 ديسمبر 1962 للسماح تسجيل الأسماء الأمازيغية في سجلات الحالة المدنية.
الأقليات الجنسية :
ما تزال العلاقات الجنسية المثلية وحقوق المثليين والمثليات وذوي الميولات الجنسية الثنائية والمتحولين جنسيا ومزدوجي النوع مجرمة حيث يتعرض أغلبهم الى الرفض والتمييز والمضايقات والعنف من جانب عائلاتهم ومجتمعاتهم في مختلف مراحل حياتهم .
وفي أفريل 2016، صرَّح ممثل تونسي في مقابلة تليفزيونية بأن "المثلية الجنسية مرض". وبعد ذلك بوقت قصير، أخذ النشطاء من الأقليات الجنسية يتبادلون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للافتات على بعض المتاجر وسيارات الأجرة تحظر دخول الاقليات الجنسية اضافة الى حملات التحريض على القتل والتهديد من قبل بعض اعوان الدولة من أمن وديوانة وحرس وطني مدعمين هذه الصور بأزيائهم الرسمية والاسلحة النارية.
ووثقت عديد الانتهاكات) أكثر من 20 حالة على الأقل (سنة2015 استنادا للفصل 230 من المجلة الجزائية الذي يجرم اللواط والمساحقة بين شخصين ب 3 سنوات سجن، وذلك بين شخصين راشدين من نفس الجنس في إطار خاص. كما سجلت عديد الاعتداءات على الأقليات الجنسية في مراكز الإيقاف أين يتعرض هؤلاء الأشخاص الى معاملة مهينة للكرامة الانسانية اضافة الى اخضاعهم للفحوص الشرجية قسرا.
ويتعرض المثليون بصفة مستمرة إلى محاكمات دون اثباتات وبمجرد وجود تسجيلات او صور للمثليين أو لباس وأدوات تجميل نسائية. ففي أخر قضية نظرت فيما محكمة سوسة تمت محاكمة مثلين بعدما وجدت الشرطة في منزلهما، أي في فضاء خاص ملابس نسائية ومواد تجميل، من اجل التعدي على الأخلاق الحميدة على أساس الفصل 226 مكرر من المجلة الجزائية التي تجرم من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الأداب العامة ...
وقد طالبت الجمعيات الممثلة للأقليات الجنسية بحماية الحقوق الفردية والعامة للمثليين وبالغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية في تقاريرها البديلة عند دراسة التقارير الرسمية المختلفة وأخرها التقرير الرسمي حول تطبيق الدولة التونسية للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .وهذا ما لفت انتباه اللجنة المعني التي عالجت الموضوع في الفقرتين 24 و25 من ملاحظاتها.
واعتبرت اللجنة انه "رغم أن الدستور يكرس الحق في الحياة الخاصة وفي حرية التعبير والفكر والرأي، تلاحظ اللجنة بقلق أن التمييز إزاء المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين لا يزال قائماً في القانون والممارسة. وتعرب اللجنة عن الانشغال من أن العلاقات بين أفراد من نفس الجنس يجرمها الفصل 230 من المجلة الجزائية تحت باب اللواط أو المساحقة، وأن الفصل 226 من نفس المجلة، الذي يعاقب كل من يتجاهر بفحش، يُستخدم بانتظام ذريعةً لمضايقة الأقليات الجنسية (الفقرة 2 من المادة 2)".
لذلك أوصت اللجنة الدولة بأن تبطل الفصل 230 من المجلة الجزائية دون تأخير وتوفر التدريب لموظفي إنفاذ القانون على ضرورة احترام تنوع الميول الجنسية والهويات الجنسانية.
هكذا نلاحظ ان التمييز ضد الأقليات من أي نوع كانت لا يزال قائما وان اعتماد الدستور لم تصاحبه مراجعات قانونية من أجل القضاء على التمييز وضمان المساواة بين كل المواطنين دون تمييز. وهذا ما يدفعنا إلى التفكير في اقتراح اصلاحات للقضاء على التمييز المسلط عليها
3-كيفية القضاء على التمييز المسلط على الأقليات
للقضاء على التمييز المسلط على الأقليات والاعتراف بحقوقها، لا بد من تفعيل احكام الدستور التي تقر المساواة بين كل المواطنين والمواطنات وتحدد التزامات الدولة في ضمان حقوق وحريات المواطنين والمواطنات العامة والخاصة.
وهذا ما يتطلب:
- اصدار قانون عام حول التمييز لتحديد مفهومه ومجالاته وفرض عقوبات على مرتكبيه لتجنب اقصاء أي كان بسبب العرق او اللون او الجنس او الميولات الجنسية أو الدين او الاعاقة.
- نشر قيم التسامح والتعايش والمواطنة لدى كل أفراد المجتمع.
- نشر ثقافة القضاء على التمييز من خلال وضع برامج متكاملة تعليمية وتربوية تنطلق من مؤسسات التعليم والتربية والتكوين، مرورا بتكوين المربين حول ثقافة المساواة وعدم التمييز، وصولا إلى تكوين القضاة بشكل مستمر ومعمق لتطوير طرق التعاطي مع القضايا والشكاوى المرفوعة أمامهم في علاقة بالتمييز.
- اقناع الجميع بأن تحقيق الديمقراطية يقتضي احترام حقوق الأقليات كما بيّنه "إدغار موران" في محاضرة ألقاها حول Ordre, désordre, organisation " "في كلية الأداب والعلوم الإنسانية بجامعة منوبة . "أنّ الديمقراطية تعني أيضا احترام الأقليات وإذا لم يتم احترام الأقليات فإنّ الديمقراطية تفقد معناها معترفا أنها نظام سياسي هش"un régime politique fragile".
- توعية الناس بأنّ المواطنة لا تتناقض مع اختلاف الهوية الثقافية والحضارية والانتماء الاثني في بلد عريق مرّت عليه كل الأديان والمعتقدات كما عرف حضارات شتى تركت بصمتها عليه لدى الأغلبية وكذلك لدى الأقليّات.
- ضرورة التركيز على روح المواطنة قبل الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي.
- حماية وجود الأقليات وتشجيعها على ممارسة حقوقها وحرياتها والمشاركة في الشأن السياسي والتعبير عن خصائصها
- حثها على الدفاع عن نفسها برفع قضايا ضد المحرضين على ممارسة العنف وعلى تهميشها وإقصاءها
يمكننا بتوخي هذه الاصلاحات التشريعية والاجتماعية من ان نساهم في الاعتراف بحقوق الأقليات وفي القضاء على التمييز.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.