سلع قوس قزح في الدول العربية وأخلاقية الألوان موضع الاهتمام

ألوان قوس قزح (مجتمع الميم) تم إنشاؤها باستخدام الدبابيس. (c) فوتوحسن - شترستوك

في كانون الثاني/يناير 2023، دشّن وزير التجارة وترويج الصادرات الجزائري حملة "توعوية" ضد "الرموز والشعارات والصور والألوان [التي] تحاول غرس أفكار تتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية، خاصة وسط الجيل الناشئ". والأشياء المستهدفة في حديث الوزير تتمثل بالأساس في الأشياء متعددة الألوان أو التي تمثل ألوان قوس قزح. وحسب تصريح الوزير، لقد تم منذ آذار/مارس 2022، تنفيذ عمليات تفتيش بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، لِمنع بيع هذه المنتجات، بما في ذلك البيع عبر الإنترنت، ومصادرة هذه المنتجات وتعزيز مراقبة الحدود لمنع إدخالها إلى البلاد.

تجدر الإشارة أن هذا القرار ليس معزولاً، بل يتقاطع مع قرارات دول عربية و/أو إسلامية أخرى. وانطلاقًا من المثال الجزائري، فإن الهدف المُتوخى من هذا المقال هو العودة إلى سياق هذه القرارات، وتحليل خطابات المسؤولين وأسسها وطبيعتها، والتساؤل فيما إذا كانت مجرد استغلال للدين من قبل رجال السياسة و/أو محاولة صرف أنظار الناس وتحويل اهتمام الرأي العام في اتجاهات أخرى.

وللإجابة على التساؤلات المطروحة في هذا المقال، سنقوم بتحليل المقالات الصحفية الناطقة بالفرنسية والعربية والإنجليزية، الصادرة في العديد من الدول العربية وخاصة الجزائر، بالإضافة إلى تحليل مقاطع الفيديو والرسائل النصية المرسلة من قبل وزارة التجارة الجزائرية، إلى جانب تحليل تفاعلات مستخدمي الإنترنت و/أو الأفراد المنتمين لمجتمعات الميم (LGBTQ+) على الشبكات الاجتماعية.

 

كأس العالم لكرة القدم 2022: ملعبٌ ضد ألوان قوس قزح

خلال حملته "التوعوية"، أشار وزير التجارة الجزائري بشكل صريح إلى سياسة قطر خلال كأس العالم لكرة القدم 2022، وهنأ دولة قطر على حظر "الألوان والرموز المخالفة لقيم المجتمع [...] في الملاعب". وقال الوزير في تصريحه أنه من المأمول أن تقوم جميع الدول التي دينها الإسلام بتنفيذ هذا النوع من الحملات.

في كانون الأول/ديسمبر 2021، أعلنت وزارة التجارة والصناعة القطرية على منصة تويتر (X حديثًا)، في إطار التحضير لكأس العالم بلا شك، أنها قامت بحملات مراقبة شملت عدة نقاط بيع من مناطق مختلفة في البلد، وأسفرت عن ضبط ومصادرة ألعاب للأطفال تحمل شعارات مخالفة للقيم والعادات والتقاليد الإسلامية، وقد رافق هذا البيان من الوزارة صورة لألعاب متعددة الألوان.

وفي العالم العربي، كانت هذه أول مبادرة رسمية تهدف إلى مصادرة أشياء يَظهَر عليها ألوان قوس قزح أو فقط لكونها متعددة الألوان. وبعد بضعة أشهر، في حزيران/يونيو 2022، بالتوازي مع شهر التعبير عن "الفخر" الذي يُذَكِر بالنضال من أجل حقوق مجتمع المثليين (LGBTQ+)، اقتفت العديد من وزارات التجارة من دول الخليج خطى المبادرة القطرية. ونشرت وزارة التجارة والصناعة الكويتية رسالة على موقع "تويتر" تحمل هاشتاج "شارك في الرقابة" تدعو المواطنين إلى إبلاغ الحكومة بالمنتجات التي عليها ألوان قوس قزح. إلى جانب ذلك، وبغية رفع أي لبس محتمل، تم في هذا الإعلان تمثيل أيقونتين: واحدة على اليمين، تمثل عَلَمًا بستة ألوان مع اقتباس أسفله يشير إلى أن "العَلَم الذي ينتهك الآداب العامة يتشكل من ستة ألوان فقط" وعلى اليسار قوس قزح بسبعة ألوان، مع الإشارة أنه يمثل قوس قزح الطبيعي. وفي الشهر نفسه، نشرت وزارة التجارة السعودية منشورًا على تويتر، جاء فيه: "تقوم فِرقنا المعنية بالرقابة بزيارات إلى نقاط البيع وتضبط وتصادر المنتجات التي تحتوي على رموز وإشارات تحرض على المثلية الجنسية وتخالف الآداب وتعاقب المنشآت المخالفة"، مع إرفاق المنشور بمقطع فيديو. ويظهر في هذا المقطع موظفان من وزارة التجارة يلتقطان صورًا للأشياء محل الرقابة ويشرحان أي منها قد تم مصادرتها في المتاجر، والتي شملت ملابس وحقائب وقبعات وإكسسوارات أو أغراض خاصة بالأطفال بألوان قوس قزح أو حتى تلك التي تظهر على أغلفتها هذه الألوان. وفي حزيران/يونيو 2022 أيضًا، طلبت الإمارات العربية المتحدة من شركة أمازون سحب العديد من المنتجات متعددة الألوان من البيع في بلادها، من جملتها كُتُب، وتمت أيضًا إزالة كلمات محددة من شريط بحث أمازون، مثل " LGBTQ+" أو "Pride | فخر" وفي الفترة نفسها تقريبًا، صادرت سوريا طائرات ورقية ملونة بألوان قوس قزح، بدعوى أنها تروّج للمثلية الجنسية، مع الشروع في متابعات قضائية ضد مالك البضائع.

إذا كان وزير التجارة الجزائري هو الوحيد مَن أشار إلى أنه قد اتخذ قراره بعد قرار قطر في إطار تنظيم كأس العالم لكرة القدم، فإننا نعتقد أن قرارات الدول الأخرى اتخِذت بالتأكيد بمناسبة أشهر "الفخر"، ولكن أيضا في ضوء الحدث الرياضي المقرر إقامته في نهاية السنة نفسها. وللتذكير، لقد مُنِع لاعبوا الفريق الألماني من ارتداء شارات بألوان قوس قزح، فقرروا تعبيرًا عن احتجاجهم على ذلك، تغطية أفواههم بأيديهم قبل انطلاقة المباراة. إذا كانت هذه المبادرات الرسمية هي الأولى من نوعها التي "تتخذها" الدول العربية، فإنها تندرج في واقع الأمر ضمن تاريخ أطول من التمييز في مجال الخصوصيات الثقافية، و"الأعراف"، وفي إطار مفهوم الأسرة المعتمد في المنطقة العربية الذي يتعارض مع قيم ومنظور الغرب. وفي الوقت نفسه، فإنها تردد أصداء حملات مماثلة تجري في أميركا الشمالية ضد نشر "أيديولوجية النوع الجنساني" في المدارس. وتقول هذه المجموعات إنها تريد حماية الأطفال من حملات التلقين من قبل مجتمع " LGBTQ+". ومن الجدير أيضًا أن نضع في اعتبارنا صدور القانون الذي اعتمدته السلطات الروسية في تموز/يوليو 2023، الذي يحظر التحوّلات بين الجنسين، بدافع حماية المواطنين والأطفال من قبل رئيس مجلس النواب في البرلمان. ويتعلق الأمر هنا فيما يخص الجزائر بسعيها إلى "حشد أشكال الدعم من موسكو، سواء في هذا الغرب المكروه أم في بقية العالم". وللتذكير فالجزائر "لم تخف يومًا قربها من موسكو".

خطابات وأسس الحملات "التوعوية"

باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يُجهل هوية صاحب المبادرة، فإن جميع الحملات "التوعوية" الأخرى ضد المنتجات الملونة بألوان قوس قزح، نفذتها وزارة التجارة وليس وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. ورغم أن جميع هذه المبادرات بررت نفسها على أنها تسعى إلى حماية القيم الأخلاقية والدينية، مثلما يتبين من الرسائل النصية الثلاث الصادرة عن وزارة التجارة للمواطنين الجزائريين في كانون الثاني/يناير 2023، والتي تدعوهم إلى توخي "الحذر من المنتجات التي تحمل ألوانًا ورموز أخلاق مخالفة"، و"الإبلاغ عن المنتجات" التي تتعارض مع القيم والأخلاق الإسلامية" و"لحماية أسرهم من المنتجات التي تحمل ألواناً مخالفة للإسلام"، فالملاحظ أن هذه المبادرات لم تأت من السلطات الدينية في هذه البلدان ولا من الوزارات المسؤولة عن الشؤون الدينية. وعلى غرار بلدان عربية أخرى، أعلنت الوزارة الجزائرية عن "تخصيص رقم مجاني وموقعين إلكترونيين لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن بائعي الألعاب التي تحمل ألوان قوس قزح، إلى وحدة الشرطة المسؤولة عن مصادرة الألعاب".

إذا كان واضحًا أن مجتمع "LGBTQ+" هو المُستهدَف من هذه الحملات "التوعوية"، فالملاحَظ أن السلطات المعنية لم تلجأ في حملاتها هذه الى استخدام المواد الجنائية التي تدين المثلية الجنسية في هذه البلدان. وبحسب مقال بجريدة "Horizons" الجزائرية فإن هذا "الإجراء يتم تطبيقًا لمبدأ حماية الحقوق المعنوية للمستهلك" وفقًا للمادة 19 من القانون 09-03 المؤرخ في 25 شباط/فبراير 2009 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الاحتيال. في حين أن هذه المادة تنص على "أي خدمة تقدم للمستهلك يجب ألا تضر بمصالحه المادية وألا تسبب له ضررًا معنويًا"، ويُلاحظ بالتالي عدم الإشارة هنا إلى القيم الدينية أو الأخلاقية كقيم أو قواعد سلوك. يُعَرَف الضرر المعنوي في مقابل الضرر الجسدي أو المادي، ويتعلق الأمر بضرر نفسي، "مثال على ذلك: يتميز الضرر المعنوي، المساس بمشاعر المودة (فقدان شخص عزيز) أو الشرف (الإساءة) لشخص ما، عن الضرر الذي يلحق بجسد إنسان (الإصابة) أو في الممتلكات (الضرر)"، في حين أن الأخلاق تُعرَف بأنها "كلُ مجموعة من القواعد المتعلقة بالأفعال المسموح بها والمحمية في المجتمع، سواء أقرها القانون أم لا."، وبالتالي يبدو أن هناك خلطاً بين "ما هو أخلاقي" ومفهوم "الأخلاق".

ومن جملة التدابير المتخذة من أجل "توعية" المستهلكين ضد منتجات "قوس قزح" هذه، طرح المدير العام للرقابة الاقتصادية وقمع الغش بوزارة التجارة الجزائرية تنظيم حملة "توعوية" في الأماكن العمومية والمراكز التجارية والأماكن الثقافية ومراكز التدريب المهني والجامعات والمساجد. وكان يُرتقب أن تجرى عملية "التوعية" بالتنسيق مع عدة وزارات ومن خلال البث التلفزيوني والإذاعي. ولهذا الغرض تم بث برنامج تلفزيوني على صفحة اليوتيوب الخاصة بمنظمة "APOCE" (جمعية حماية وتوجيه المستهلكين وبيئتهم) التي تُعرف نفسها على أنها جمعية ذات طبيعة اجتماعية، ومن أهدافها الدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لجمهور المستهلكين. وبحسب محتوى هذا البرنامج، كانت هذه الحملة موّجهة للأطفال بشكل أساسي، لأن "الشعب الجزائري يرفض هذا الأمر"، وتسويق مثل هذه الأشياء للأطفال الصغار يشكل خطرًا عليهم. وبحسب المتحدث في هذه المقاطع المتلفزة، فإن ترك الطفل يلعب منذ نعومة أظافره وبطريقة عادية بهذه المنتجات ذات "الألوان المثلية" أو الداعمة للزواج بين أشخاص من الجنس نفسه، سيؤدي في نهاية المطاف إلى قبوله هذه الممارسات. وأكد المتحدث أيضًا أنهم "يحاربوننا من خلال أجيالنا الناشئة"، دون أن يوّضح ما إذا كان يشير إلى مجتمع "LGBTQ+" أو الغرب عمومًا أو إلى أشخاص أو كيانات بعينها. يمكننا أيضًا في مقطع فيديو آخر تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، مشاهدة موظفين في وزارة التجارة يعرضون أقلام ملونة للأطفال ويطلبون منهم تسمية الألوان، ثم يشرحون لهم أنه لا ينبغي أن يستخدموها معًا ويطلبون منهم التخلص من الأشياء التي تحمل لون قوس قزح التي قد يجدونها في منازلهم. تتقاطع مثل هذه الممارسات أيضًا مع الحملات المتبعة في دول الخليج التي استهدفت بشكل أساسي المنتجات المخصصة للأطفال والتي تنضم إلى الحملات المعتادة (مداهمات في أماكن مجتمعات LGBTQ+، والمتعاطفين معهم، ونصب الفخاخ على تطبيقات المواعدة للأشخاص التابعين لمجتمع LGBTQ+) التي تستهدف البالغين. يبدو أنه من خلال استهداف الأطفال، انطلاقًا من فكرة الوقاية، وليس البالغين فقط، تأتي هذه الحملات للتصدى للنظريات الجنسانية التي يتم تدريسها في المدارس الغربية، وبالتالي تتعارض مع القيم الغربية التي تنظر إليها مجتمعات دول المنطقة على أنها تعدٍ ولكن باعتبار أنها يمكن أيضًا أن تشكل تدخلًا في الشؤون الداخلية للدول العربية والمشاركة في نوع من الاستعمار الجديد.

علاوة على ذلك، يُشاهَد في هذا الفيديو وفي شريط آخر نشرته الجمعية نفسها، أحد موظفي الدولة على الأرجح، يتوّجه بالحديث إلى المارة في باحة أحد مراكز التسوق وينصحهم بعدم حرق المصاحف المتعددة الألوان، وأنه يُستحسن تسليمها إلى القائمين في المساجد الذين سيعرفون كيف يتعاملون معها. ويضيف هذا الموّظف، أن بعض الألوان تكتسي معاني خاصة، مثل الأبيض والأزرق اللذان يمثلان لونان طبيعيان، لكنهما يمثلان معًا علم الصهاينة، وأن استخدام ألوان قوس قزح "من شأنه أن يمنحهم دعاية"، دون أن يوّضح مع ذلك، مَن كان يقصد باستعماله لفظ "هذوك الناس" (هؤلاء الناس).

 

الحملات "التوعوية" العربية والحملات المناهضة لمجتمع LGBTQ+ على المستوى العالمي: الهدف نفسه

إذا كان بعض مستخدمي الإنترنت الجزائريين قد اتخذوا من تصريحات الوزير الجزائري مجالًا للسخرية، من خلال نشر صور تُظهِر قوس قزح أو أشياء أو مباني بهذه الألوان، فالأمر بالنسبة للكثيرين منهم، ليس أكثر من محاولة من السلطة لصرف أنظار الناس عن المشاكل الحقيقية التي يواجهونها في حياتهم، من قبيل ارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم التضخم الاقتصادي. من ناحية أخرى، انتقد بعض السوريين مصادرة الطائرات الورقية ذات ألوان قوس قزح، مؤكدين أن هذه الألعاب الورقية كانت تحمل هذه الألوان حتى قبل أن تصبح رمزًا لمجتمع LGBTQ+ .

لا ينبغي النظر إلى هذه الحملات على أنها قائمة على حجج دينية، بل ينبغي اعتبارها بمثابة مساعي لتوظيف الدين لأغراض سياسية، من خلال صرف الأنظار عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية لهذه البلدان ومحاولة ترسيخ نوع من الشرعية من خلال تبني خطاب مناهض للغرب لكسب تأييد الفئات المحافظة من الشعب. تُصوِر هذه المساعي الدول الغربية على أنها تسعى إلى تنفيذ برنامج يرمي إلى إخضاع العالم العربي من خلال فرض سياسة الدفاع عن حقوق المثليين، وذلك رغم انتشار الحملات التي تُنَفذ في هذه البلدان نفسها ضد مجتمع LGBTQ+ - ولا سيما من قبل اليمين المتطرف - وعلى الرغم من تراجع بعض الحقوق أيضًا– مثل قوانين مكافحة LGBTQ+ في إيطاليا والمجر ورومانيا - وعلى الرغم من زيادة حدة الهجمات المعادية للمثليين في جميع أنحاء أوروبا. وفقًا لرامون مارتينيز، الناشط في جمعية LGBTQ COGAM في مدريد، يمكن إحالة سبب هذه الظاهرة، إلى النجاح الذي حققته حركة LGBTQ+، ويقول رامون "إن الحقوق التي تم الحصول عليها والتقدم السريع المحقق في هذا المجال، يثيران رد فعل بين الناس يقترن بتنامي اليمين المتطرف". وبالتالي، فمن المفارقات، أنه خلف خطاب حماية "الأمة العربية" والقيم الخاصة بالمسلمين، تتبنى الدول العربية إيديولوجية وخطابات غربية يمينية متطرفة ضد اليسار الذي يتعرض للشيطنة ويُنظر إليه على أنه ليبرالي بشكل مفرط.

حتى وإن لم تكن هذه الإشكالية أمرًا جديدًا، فمن المثير للاهتمام أننا نجد داخل مجتمعات LGBTQ+ نفسها، نوعًا من الاستقطاب في الخطاب، بين النشطاء الغربيين الذين يناضلون من أجل أن يكون لأفراد LGBTQ+

ظهور أكبر حتى داخل الدول العربية من جهة، والناشطين المحليين في هذه البلدان من جهة أخرى. بالفعل، قبيل انطلاقة مباريات نهائيات كأس العالم لكرة القدم الأخيرة، نظم ناشطٌ بريطاني ما وصفه بأنه أول مظاهرة لمجتمع المثليين في الخليج، الأمر الذي لم يلق قبولًا حسنًا من قِبَل الناشطين المحليين، الذين اعتبروا أن مظاهرات التضامن هذه، حتى لو كانت حسنة النية، ليست بناءة، لأن الأنظمة الحاكمة في المنطقة توّظفها لإذكاء مشاعر رهاب المثلية الجنسية وكسب دعم الأغلبية المحافظة من المواطنين. ولهذا السبب يسعى أفراد مجتمع LGBTQ+ في بعض البلدان - مثل الأردن ولبنان وفلسطين وقطر - إلى التميز عن الناشطين الغربيين، من أجل كسب ثقة مجتمعهم وحتى البرهنة على أنهم أكثر ولاءً لبلدانهم.

أخيرًا، إذا بدا أن حملات "التوعية" قد انتهت لحظة كتابة هذا التقرير، فإن الرقابة المفروضة على بعض أفلام الرسوم المتحركة المقدمة على أنها مؤيدة لمجتمع المثليين أو مؤيدة للنسوية، لا تزال قائمة ومعمول بها، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، منع عرض فيلم "باربي" في الجزائر والكويت، في حين سُمِح ببثه في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأخيرًا في لبنان.

إذا كان البعد الديني يُشكل فعلًا الخلفية التي تستند إليها حملات "التوعية" ضد ألوان مجتمع المثليين وسياسات "حماية الأطفال"، فإنه يُستغل مرة أخرى من قبل الأنظمة الحاكمة التي تفتقر إلى الشرعية والتي تسعى إلى اكتساب دعم شعوبها المُشَكلة في معظمها من المحافظين. وحتى إذا كانت هذه الأنظمة تنهل من خطاب ديني إسلامي معياري، فإنها لا تقوم في واقع الأمر سوى بإعادة إنتاج الخطابات والإيديولوجيات الغربية لليمين المتطرف، في حين تتبنى هذه الأنظمة مواقف معارضة، وبالتالي يمكن النظر إلى هذه المعارضة السطحية للغرب على أنها محاولة لكسب الرأي العام لدى شعوبها. أما بالنسبة لاستعارة عناصر اللغة المعتمدة لدى اليمين المتطرف الغربي المهيمن بشكل متزايد في هذه الدول، فيمكننا أن نقرأ في ذلك، نوعًا من استمرارية تقليد متبع من قبل الدول العربية تجاه الغرب وذهنية "إنهاء الاستعمار" المستعصية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.