لا عدالة إجتماعية من دون تحالفات إجتماعية: قصّة من لبنان!

© Freepik

تُنشر هذه الورقة ضمن سلسلة مقالات حول موضوع الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية. بإمكانكم الإطلاع على المقالات الأخرى عبر هذا الرابط (اللغة الانجليزية).

"هناك قوانين وهناك حقوق. إن دور النقابات والاتحادات العمالية والتجارية والجمعيات الخيرية والمجتمع المدني هو إنشاء تحالف اجتماعي يمكنه الضغط من أجل الحقوق. الحقوق تؤخذ ولا تعطى". كاسترو عبد الله، رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان  (FENASOL).

إعتصم العمال أمام مركز الشركة مطالبين بزيادة أجورهم التي تآكلت مع التضخّم وأصبحت لا تغطّي ثمن حليب أطفالهم وحاجاتهم الأساسية. تكلّم باسم العمال "مالك" الذي يعمل في الشركة منذ خمسة عشر عاماً ولديه ثلاثة أولاد. يبلغ راتبه مع الزيادات الأخيرة 6,000,000 ليرة لبنانية شهرياً، أي ما يوازي 60$ تقريباً. شرح مالك معاناة العمّال على المستوى المعيشي، وقد تكرّر هذا الإعتصام لثلاثة أيام صباحاً وقبل دوام العمل. لم يشارك كل العمال في هذا الإعتصام؛ فلم يتعدّى عدد المشاركين 35% من مجموع عمّال الشركة.

بعد أيام قليلة تم صرف عدد كبير من العمّال، وقد تلقّى مالك إنذار بالصرف تتضمن السبب التالي: "الإعتداء اللفظي على صاحب العمل، وتحريض العمال على الفوضى"!

قصّة مالك وهؤلاء العمّال تتكرر بشكل كبير مع كثير من الطبقة العاملة. طبعاً المشكلة ليست بالقوانين، فقانون العمل اللبناني يتضمن الكثير من الحقوق الأساسية للعمال. ولكن عملياً المشكلة تكمن في كيفية وصعوبة تطبيق القانون. فالعمال يُتركون لمصيرهم في علاقة عمل غير متكافئة تحكمها سلطة صاحب العمل وإمكانيته في التحكّم بكل ظروف العمل وجعلها مجحفة بحق الأجراء، كونه الطرف الإقتصادي الأقوى في علاقة العمل. من هذا المنطلق يقتضي على الدولة بأجهزتها الرقابية والقضائية فرض حد أدنى من الحماية للأجراء.

فعلى سبيل المثال، وإن كان قانون العمل ينص على إجازات مدفوعة وتعويض صرف تعسفي وحق إنتساب العامل إلى نقابة مهنية، ولا سيما إلزامية التسجيل بالضمان الإجتماعي، إلا أننا نجد عملياً الكثير من العمّال مجرّدين من هذه الحقوق وإن كان القانون ينص عليها. فهي لا تُمنح تلقائياً بل يقتضي على العامل أن يتقدم بدعوى أمام مجلس العمل التحكيمي. وهنا يدخل العامل في متاهة إجراءات محاكمة طويلة ومعقدة بالإضافة إلى وضع المرفق القضائي العام في لبنان خلال الأزمة الإقتصادية وما رافقه من إضرابات وجمود. لذلك، يقتضي لتفعيل الحماية الإجتماعية للعمال وحقهم في العمل اللائق، الحشد والمناصرة بين مختلف القوى العمّالية وقوى المجتمع المدني بشكل عام، خاصة في غياب دولة القانون وسلطة القانون وآليات تطبيق القوانين. فكما ذكر رئيس الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبدالله التالي: " الحقوق تؤخذ ولا تُعطى". وما يصعب أخذه بحكم القانون لا يؤخذ إلا بالحشد والضغط!

 

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذه المدونة هي آراء المؤلف وحده ولا تعكس بالضرورة آراء مبادرة الإصلاح العربي أو ملتقى المنطقة العربية للحماية الاجتماعية

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.