غابات لبنان غير الخاضعة للتنظيم: كيف يمكن للمآسي أن تُحدث تحولات نابعة من جهود محلية

فعالية ميدانية في عكار العتيقة، تموز/يوليو 2022. © سامي كايد

يُمكن القول أن منطقة عكار تجسد التراث الطبيعي الرائع للبلاد وأزماتها الاقتصادية والسياسية المتصاعدة أكثر من أي منطقة أخرى في لبنان. فعلى الرغم من أن لبنان يحطم الأرقام القياسية في فقدان القدرة الشرائية والانهيار المالي السريع والظلم الاجتماعي وتكرار الجمود الحكومي، تبرز عكار باستمرار بوصفها أكثر المناطق تحدياً فيما يتعلق بمختلف أوجه الفقر.1UNDP, Mapping of Living Conditions in Lebanon ،2World Bank, Lebanon: Multi-dimension Poverty Index إلا أنها تُعد من أغنى المناطق بالغابات والتنوع البيولوجي والموارد المائية في بلد يتميز إقليمياً بهذه الخصائص.3 AUB, The importance of protecting the Lebanese High Mountains: A preliminary ecosystem services assessment والآن تجلت فرص جديدة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لرأب الصدع بين الثروة الطبيعية والفقر الاجتماعي الاقتصادي، إذ يسعى السكان المحليين إلى التخفيف من مشاكلهم المالية من خلال قطع الأشجار. وفي ظل غياب أي تنظيم من قبل الدولة للغابات، أصبحت عكار بؤرة لهذا الملاذ الذي يمكن تفهمه ولكنه قد يؤدي إلى حدوث أضرار بيئية جسيمة لا يُمكن إصلاحها.

تروي هذه الورقة قصة كيف يتم مواجهة أكبر معدل فقدان للغابات في تاريخ عكار بواسطة نشطاء محليين ينظمون ويقاومون الاستغلال المفرط للغابات ويحشدون الموارد ويجذبون المجتمع بأكمله بطريقة غير مسبوقة. وقد انطلقت أعمال تضامنهم هذه في مواجهة الصراع الأخير والخسائر الناجمة عن فقدان موارد الغابات التي تأثرت بشدة بالظروف المناخية القاسية. ونظراً إلى الطبيعة الحساسة لهذه الورقة، اختار المؤلف إبقاء هوية المشاركين في الحوار، الذين جرى التواصل معهم بين أيلول/سبتمبر وكانون الأول/ديسمبر 2022، مجهولة.

تقع محافظة عكار في أقصى شمال لبنان وتشكل 7% فقط من مساحة البلاد، وتحتفظ بأحد أعلى مستويات التنوع البيولوجي والتوطن (وهو التواجد الطبيعي لمجموعة بيولوجية (حيوانية أو نباتية) بصفة حصرية في منطقة جغرافية محددة)4Science Direct, Definitions of Endemism في منطقة الشرق الأوسط.5 Ecologica Mediterrania, Towards the establishment of a natural park in Eastern Mediterranean forests وتشير الدراسات إلى أن عكار تتمتع بأعلى كثافة إجمالية في البلاد فيما يتعلق بخدمات النظام البيئي، فضلاً عن العديد من الفوائد البشرية والخدمات الأساسية الداعمة للحياة التي تقدمها الطبيعة.6 The study’s ecosystem service factors included provision of food, water, and raw material; regulation of climate, water flows, soil fertility, water quality, pollination, and habitat; and support of cultural identity and recreation (AUB, The importance of protecting the Lebanese High Mountains: A preliminary ecosystem services assessment غير أن جميع هذه الفوائد أو شرايين الحياة المستمدة من الطبيعة تكابد بسبب الخسارة المذهلة التي تشهدها الغابات المحلية.

ففي عام 2021 وحده، كان معدل فقدان الغابات في عكار أعلى بنسبة ما بقارب 1200% من المتوسط على مدى السنوات العشرين السابقة.7Global Forest Watch, Lebanon وتحتضن هذه المنطقة أكبر غطاء حرجي مستمر من غابات الصنوبر وكثافة عالية من الأشجار في لبنان، وخلال عام واحد، فقدت 5.4% من هذا الغطاء النباتي.6

 

الشكل رقم 1: معدل فقدان الغطاء الحرجي في عكار، لبنان، بين عامي 2001 و 2021 ، بالهكتار (10,000 متر مربع) (المصدر: مؤسسة «غلوبال فورست واتش 2022 ،») .

تُعدّ حرائق الغابات هي العامل الأساسي لهذه الخسارة، فقد أدت الحرائق الناجمة عن التغيرات المناخية المفرطة إلى فقدان 87% من الغطاء الحرجي في عام 2021. إذ يقع لبنان في واحدة من المناطق الحرجة الأكثر تعرضاً لمخاطر التغيرات المناخية،7، 8 Journal of Climate Risk Management, Local adaptive capacity to climate change...Lebanon حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع 20% من المتوسط العالمي.9 IPCC, WGII Sixth Assessment Report ونظراً إلى أن تغير المناخ يزيد من شدة وتواتر اندلاع حرائق الغابات، فقد تم توثيق احتراق النُظم البيئية على ارتفاعات عالية مثل غابات العرعر في منطقة عكار للمرة الأولى.10The National News, Bushfires threaten to destroy Lebanon's ancient mountain forests

وبالإضافة إلى الحرائق، واجهت غابات عكار، على مدى السنوات الثلاث الماضية، معدلات أعلى لقطع الأشجار. فقد تسبب ارتفاع تكلفة الوقود في تحول هائل في السوق نحو استخدام الأخشاب للتدفئة، كما تسبب في دفع السكان المحليين إلى قطع مزيد من الأشجار ليس فقط من أجل التدفئة على المستوى الشخصي، ولكن أيضاً كمصدر لكسب الرزق. ومع بيع أخشاب عكار في جميع أنحاء البلاد، فإن فقدان الأشجار يتجاوز الحدود المستدامة تاريخياً.11L'orient le Jour, A tale of opportunity and need: Illegal logging is rife in North Lebanon توضح إحدى سكان قرية عكار العتيقة، وهي أكبر قرية في المناطق الجبلية من عكار، كيف قام "غالبية ال‍ 20 ألف شخص الذين يعيشون هنا إما بتعديل مواقد الديزل الخاصة بهم إلى مواقد الحطب أو شراء مواقد الحطب للتدفئة". وأعربت أيضاً خلال زيارة إلى قريتها، "لقد اعتدنا جميعاً الاعتماد على الديزل للتدفئة، لكن الزيادات الهائلة في التكلفة وانخفاض القوة الشرائية تسببت في تحول الجميع تقريباً إلى استخدام الأخشاب". وقال أحد مالكي محطات الوقود لموقع "المشارق" الإخباري12المشرق: اللبنانيون يواجهون شتاء قارصا بدون مازوت إن "نسبة إقبال المواطنين على شراء المازوت انخفضت بنسبة 80%، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية". في حين قال بائع أخشاب لموقع "المونيتور"،13Al-Monitor, Lebanese turn to wood logging in preparation for winter "لقد شهدنا هذا العام أعلى طلب على جذوع الأشجار الخشبية على الإطلاق لأن الناس يستخدمون الأخشاب ليس فقط للتدفئة بل للطهي أيضاً".

ولهذا، يتواجد قاطعي الأشجار، المعروفون للمشاركين في الحوار بأنهم من أهل المنطقة بصورة رئيسية، باستمرار في الغابات حيث تتوفر الأخشاب التي تُستخدم كوقود بغزارة. يقوم البعض منهم بالقطع وفق حدود إمكانياتهم الخاصة باستخدام الطرق التقليدية، عن طريق تقطيع الأخشاب يدوياً وتحميلها على ظهر الحمير لنقلها. ولكن حتى مع هذه الطريقة التقليدية، يشعر سكان عكار العتيقة الذين أجريت معهم المقابلات بالقلق إزاء عدد الأشخاص الذين يعتمدون على الغابات المحيطة في هذه السنوات. خلال جولة قمت بها في تشرين الأول/أكتوبر عام 2022 بصحبة أكثر من 12 أفراد من هذا المجتمع حول غابة القموعة، لاحظ أحد الأشخاص "أننا هنا منذ ثلاث ساعات وقد رأينا بالفعل ما يقرب من 15 رجلاً مع حميرهم أو دراجاتهم النارية المحملة بالأخشاب وفي طريقهم للخروج من الغابة... تخيلوا أن هذا يحدث هنا يوماً بعد يوم".

اقترب منا أحد هؤلاء الرجال بصحبة حماره المحمل بالأخشاب، وأوضح أنه يقطع الأشجار لإعالة طفله من ذوي الاحتياجات الخاصة، وطلب منا تسجيل اسمه ورقم هاتفه في حال كنا تابعين لمنظمة غير حكومية تقدم أي نقود مقابل فرص العمل. أوضح له أحد السكان أننا لسنا كذلك ولكنه مع ذلك أخذ تفاصيل الاتصال به. في اليوم السابق، زرت مدرسة في المنطقة خلال دورة توعية حول فقدان الغابات نظمها تطوعاً أفراد فاعلين من المجتمع المحلي. بعد ذلك، قال لي المدير، الذي يعمل طلابه مع آبائهم لقطع الأشجار، "أنا لا ألومهم... بقدر ما أحب غاباتنا وأشجارنا وأُعلِّم الطلاب بواجباتنا لحمايتها، لا يمكنني أن أخبر أباً يستميت لإطعام عائلته وتدفئتها ألا يقطع شجرة... في هذه الأوقات، سأشجعه على قطع الشجرة وقطعها ورأسه مرفوعة".

بيد أن الحطاب التقليدي الذي يحاول إعالة أسرته يواجه قوة أكثر خبثاً تعمل بشكل ملحوظ في غابات السِّنديان والصنوبر الغنية في عكار. إذ يشكل إشعال الحرائق المتعمد وقطع الأشجار من قبل رجال مسلحين، الأمر الذي أكد على وجوده 10 من المشاركين في الحوار حول هذه المسألة، علاوة على حوادث الصراع الإقليمي حول الأشجار، تهديداً لاستقرار المنطقة.14The Arab Weekly, Forest fires add to Lebanon’s combustible climate ففي الـ 25 من آب/أغسطس عام 2021، اندلع صراع مسلح عنيف بين سكان القريتين المجاورتين عكار العتيقة والفنيدق بسبب قطع الأشجار، مما أسفر عن وفاة شخص وإصابة اثنين، ومخاوف من اتساع الصراع.15Reuters, Lebanese army deploys to area in north after deadly violence قال المشاركون في الحوار الذين يعرفون أشخاصاً من مجتمعهم متورطين في الحادث إن الشخص توفي بشكل مأساوي لأنه لم يتم إجلاؤه بالسرعة الكافية من المنطقة الحرجية الكثيفة. وقد دفع ذلك السلطات المحلية إلى فتح طريق جديد إلى قلب الغابة التي تقع أعلى قرية عكار العتيقة بحجة تمكين الدفاع عن الغابة بشكل أفضل، بيد أن الطريق فعل العكس تماماً، حيث زاد من قدرة وصول الحطابين إلى الغابة.

في الآونة الأخيرة، يعتقد السكان المحليون أن حوالي 20 شخصاً (معظمهم معروفون لسكان المنطقة) يقومون عن عمد بإشعال الحرائق لتسهيل عملية قطع الأشجار أو يقطعون أعداداً هائلة من الأشجار بشكل مشين استجابة لتحوُّل السوق إلى استخدام الأخشاب للتدفئة. عندما سألت السكان عن سبب اعتقادهم أن الحرائق تستخدم كنقطة انطلاق لقطع الأشجار، كان هناك توافق مقنع في الآراء: الحرائق، أولاً وقبل كل شيء، تقلل من ردود الفعل الاجتماعية التي يواجهها قاطعو الأشجار. أوضح لي أحد السكان المحليين ذلك بقوله، "نحن أفضل وسيلة للدفاع عن الغابة، لكن عندما تحترق الغابة، يميل مجتمعنا إلى النظر إلى الغابة على أنها هالكة، وبالتالي فمن المرجح أن يتجاهلوا عمليات قطع الأشجار المفرطة". وعندما لا تكون الحرائق عاملاً، يتحدث أفراد المجتمع في عكار عن حوادث قطع الأشجار التي يقوم بها رجال مسلحين يبدو أنهم مستعدون للذهاب إلى أقصى الحدود لضمان عدم تعطيل عملياتهم. فقد تحدث ثلاثة من أفراد المجتمع المحلي الذين أجريت معهم مقابلات عن إحدى الحوادث تجمع بين الحرائق والعنف حول قطع الأشجار، والتي يُزعم أنها وقعت في نهاية خريف عام 2022. وسوف أسرد هنا وصفهم له.

عندما أُبلغت وحدة إطفاء الحرائق التابعة للدفاع المدني المحلي باندلاع حريق صغير ولكنه متزايد في الغابات الواقعة فوق قرية عكار العتيقة، أُرسل فريق إلى المنطقة. وبينما كان رجال الإطفاء يشقون طريقهم عبر أحد الطرق الترابية المحيطة بالغابة، قابلهم رجلان حالا دون الوصول إلى مكان الحريق. وعندما أوضح رجال الإطفاء أنهم جاؤوا لإخماد الحريق، قال لهم أحد الرجال إنهم غير مسموح لهم بالعبور، ويجب أن يعودوا أدراجهم. أصر رجال الإطفاء على المرور، ووقعت مشادة تعرض على إثرها أحد رجال الإطفاء للطعن بسكين واضطر فريقه إلى العودة إلى القرية للحصول على الرعاية الطبية. وقد تعافى رجل الاطفاء منذ ذلك الحين، بيد أن الحريق لم يخمد وتعرض رجل الإطفاء لضغوط سياسية لإسقاط التهم الموجهة للرجل الذي طعنه.

يشرح أفراد المجتمع المحلي الذين يروون هذه القصة كيف أن هذه ليست سوى واحدة من الحالات التي تُظهر نوع العنف الذي يلجأ إليه البعض، أو أصحاب السلطة المجهولين الذين يدعمونهم. وما زالت الشرطة المحلية التي يُزعم أنها قد أُبلغت في صيف 2022 بأسماء ومنازل حوالي عشرين رجلاً مسلحاً يقطعون الأشجار لم يتم التحقيق معهم حتى الآن. وبالإضافة إلى ذلك، قبل أكثر من ثمانية أشهر، قدمت وزارة البيئة ما لا يقل عن 100 تقرير حول انتهاكات غير قانونية لقطع الأشجار إلى المدعين العامين، ولكن لا يوجد دليل على اتخاذ أي إجراءات في ذلك الشأن. وكما أوضح أحد الناشطين الذين يعيشون في قرية القبيات، “سيكون الأشخاص الذين يحاولون حماية الطبيعة أفضل حالاً بدون وجود أي من التمثيل الحكومي الضئيل القائم هنا... قد يؤدي هذا على الأقل إلى تكافؤ الفرص... ولكن في ظل وجودهم، يتلقى أولئك الذين يستغلون الغابات الدعم ويواصلون الفوز".

اعتاد حراس البلدية القيام بدوريات أكثر فعالية في غابات عكار مما يتيح قطع الأشجار على نحو أكثر استدامة وإنصافاً. وكما يبدو فإن انخفاض قيمة أجور الحراس، والرشاوى المتزايدة، والشكوك حول تأجيج التوترات، قد تضافرت لدفع حراس الغابات إما لغض الطرف عن قطع الأشجار غير المصرح به أو اللجوء إلى قطع الأشجار بأنفسهم. وهذا يُشكّل طريقة مضمونة لوقوع كارثة أعظم تواجه المنطقة، حيث تلتقي حرائق الغابات التي يؤججها تغير المناخ، وعدم توفّر اللوائح الحكومية واقعياً، وزيادة الاعتماد على استخدام الأخشاب للتدفئة وكسب الرزق، والرغبة العنيدة لإشعال الحرائق وقطع الأشجار. إذا استمر التوجه الراهن لفقدان الغابات على مدى السنوات القليلة القادمة، فإن درّة التنوع البيولوجي هذه في لبنان ستستمر في التلاشي.

على الرغم من أوجه القصور الحكومية والمخاطر الكبيرة المرتبطة بمقاومة الاستغلال المفرط، فإن الكارثة البيئة في عكار لن تمرّ مرور الكرام دون أن ينتبه أحد إليها. إذ يتسم الناشطون على مستوى القاعدة الشعبية في عكار بأنهم مفعمون بالحماس، وينظمون صفوفهم، ويقاومون الاستغلال المفرط للغابات ويحشدون الموارد ويجذبون المجتمع بأكمله بطريقة غير مسبوقة. فقد اتفق الناشطون الأربعة الذين أُجريت معهم مقابلات على أن هذه التحولات في النشاط المحلي بدأت منذ حوالي ثلاث سنوات، وهي الفترة نفسها التي بدأ فيها فقدان الغطاء الحرجي يتزايد بشكل كبير. إذ إنهم يبذلون العديد من الجهود التي ترمي بصورة رئيسية إلى بناء علاقات متبادلة بين المجتمعات المحلية والغابات وزيادة مستوى الانتقادات الاجتماعية ببراعة التي يتعين على من يستغلون الغابات بإفراط مواجهتها.

في قرية القبيات، بالرغم من أن "مجلس حماية البيئة والتراث" ينشط في المنطقة منذ 30 عاماً كمجموعة من المتحمسين للطبيعة، فقد سُجّل قبل أربعة أعوام بوصفه منظمة غير ربحية، ما زاد من جذب الموارد والمشاركين المحليين وزيادة شعبية حماية الغابات في المجتمع. فضلاً عن أنهم يقومون بدعوة أعضاء المجتمع بانتظام في رحلات لجمع الأطعمة البرية وتحويلها إلى وجبات تقليدية؛ وهي واحدة من أكثر المشاركات المتعلقة بالتعاضد مع الطبيعة ارتباطاً. كما أنهم أطلقوا قبل أربع سنوات مهرجان "ريف - REEF" (اللقاءات الريفية حول البيئة والسينما)، وهو أول مهرجان مخصّص للأفلام البيئيّة في العالم العربي. وإدراكاً منهم أن الكثير يحبون مشاهدة الأفلام، فقد أسسوا هذا المهرجان لجذب جماهير جديدة للمشاركة في حماية طبيعة عكار. يوضح أحد أعضاء المجموعة كيف يسهم هذا المهرجان في خلق فرصاً اقتصادية "هائلة" للمجتمع المحلي. فبعد بضع سنوات، باتت العديد من مصادر الرزق المحلية تتلقى الدعم من المهرجان الذي يعزز بدوره حماية الغابات. أعرب أحد أعضاء المجلس خلال رحلة لجمع الأطعمة البرية قائلاً، "هذا المنزل الصديق للبيئة الناجح الذي نحن فيه محاط بالغابات وصاحبه يراقب باستمرار ويواجه على الفور أو يكشف عن قاطعي الأشجار الذين يعملون في الأراضي العامة... إنه أحد العديد من الأعمال التجارية الصغيرة التي تدرك الآن أن سبل عيشهم تعتمد على ذلك".

علاوة على أنهم يمارسون الضغوط على صانعي القرار على الصعيدين المحلي والوطني من خلال الحوار المباشر، والكشف عن تورُّطهم في الأضرار البيئية، ويحشدون شبكتهم المتنامية للتحدث إلى ممثليهم حول الحفاظ على الطبيعة العامة للأراضي بوصفها مكان محتمل لإقامة أرضية مشتركة بين الأطراف المتنازعة. ويقول العضو نفسه في المجلس، "نحن نحب هذه الأرض أكثر لأنها تنتمي إليَّ بالقدر نفسه الذي تنتمي به إليك أو لشخصٍ ما من أقصى الجنوب أو أقصى شرق البلاد".

على مدار العام ونصف العام الماضيين، دعمت "أكاديمية البيئة"، التي يقع مقرها في مركز الحفاظ على الطبيعة التابع للجامعة الأميركية في بيروت، التنظيم المحلي حول أكبر غطاء حرجي مستمر من غابات الصنوبر في البلاد، والتي تحيط بمجتمع قرية عكار العتيقة. وبصفتي المدير والمؤسس المشارك للبرنامج، فقد دعمت فريقاً من أربعة ناشطين بيئيين يشكلون فريق المجتمع المحلي لأكاديمية البيئة، من أجل زيادة تعزيز الممارسات التبادلية بين الغابات والعديد من الأشخاص الذين يستفيدون منها. ويشمل ذلك الرعاة والمزارعين والطلاب والحرفيين وفرق الكشافة والسلطات العامة والسكان المحليين الذين يقضون وقتاً ترفيهياً في الغابة أو يحصدون الأخشاب بطريقة تقليدية للاستخدام الشخصي. معاً، بدأنا تدريجياً ننشئ محمية طبيعية وطنية.

لا تزال فكرة المحمية غريبة أو منفرة لبعض أعضاء هذه المجموعات الذين يشعرون بالقلق من أنها ستضر بسبل عيشهم أو خطط تنمية الأراضي الخاصة. ونتيجة لذلك، نضاعف جهودنا للتحدث مع العديد من أعضاء هذه المجموعات حول نوع أكثر شمولاً من المحميات الطبيعية حيث يشاركون بشكل جماعي في تطوير خطة إدارة النظام البيئي الحاكم، والتي يمكنهم الإيمان بها والإشراف عليها. وقد أعد فريق المجتمع المحلي لأكاديمية البيئة ملف مبهر، بما في ذلك الدعم الرسمي من المجلس البلدي لقرية عكار العتيقة، وتقرير يثبت القيم الجوهرية المتعددة وخدمات النُظم البيئية للغابة، وعشرات الشهادات العقارية الرسمية لكل قطعة أرض مدرجة في حدود المحمية، ونموذج طلب مقدم إلى وزارة البيئة لإنشاء محمية طبيعية وطنية.

تم تقديم الملف إلى وزارة البيئة بعد عقد ست اجتماعات من الإبداع المشترك. وخلال زيارة ميدانية شاركت فيها مع وزير البيئة - حيث انضم أكثر من 100 من أعضاء المجتمع لدعم عمل فريق المجتمع المحلي لأكاديمية البيئة - رد أحد كبار السن على المقدمة التي ألقاها الوزير قائلاً، "لم نعد بحاجة لمن يقنعنا بأن إنشاء محمية طبيعية هو أمر جيد بالنسبة لنا ولبيئتنا ... فقد علمتنا تجربتنا التي عشناها على مدى السنوات القليلة الماضية ذلك بالفعل".

تأسست مبادرة "درب عكار" عام 2012 كجمعية غير رسمية من المتحمسين للطبيعة المهتمين بالتنزه والمشي لمسافات طويلة في الطبيعة. ولكن على مدى العامين الماضيين، وسعوا نطاق نشاطاتهم وتنويعها بشكل كبير، حيث سجلوا أنفسهم رسمياً كمنظمة غير ربحية وشجعوا العديد من سكان عكار على الانخراط في العديد من الأنشطة المحلية والتي تُمول من خلال التبرعات. ساعدت الجمعية على إنشاء ست دروب جديدة للمشي في غابات عكار، وحصلت على شاحنات إطفاء متعددة لقراهم، وسهلت زراعة أكثر من 11 ألف شجرة من أشجار الغابات المحلية، ودعمت برامج لتوفير أشجار سريعة النمو لأفراد المجتمع يمكنهم زراعتها على الأراضي الخاصة لتوفير حطب بديل خلال بضع سنوات.

تمول معظم هذه الجهود من قبل المغتربين أو سكان المنطقة، وهو ما يعكس القدرة التنظيمية لكل من مبادرة "درب عكار"، والأجواء الحالية لتعبئة المجتمع حول الغابات المحلية. أوضح أحد الأعضاء الذين أجريت معهم مقابلة بقوله، "في هذا الوقت القصير علمنا الناس أن يحبوا الطبيعة، وقد تجسد ذلك في حدث آخر قمنا به للتو حيث تطوع أكثر من 500 فرد من أفراد المجتمع لزراعة الأشجار في مناطق متعددة شهدت قطع جائر للأشجار فيها". لدرجة أن بعض الناشطين المحليين المشاركين في هذه الأنشطة يضحون بأموالهم الخاصة للمحافظة على زخم هذه الأنشطة. وقد قال عضو آخر، "لقد فقدت شاحنتي عند محاولتي لإخماد حريق عام 2021 ... لا أستطيع تحمل تكاليف شراء شاحنة أخرى، لكنني لا أندم على ما فعلته".

تجسد روح النشاط المتنامية وحب الأرض والروح الجماعية في عكار أسباباً حقيقية للأمل في ظل وضع يائس عموماً. إذ تظهر المنطقة كيف يمكن أن تؤدي الأنشطة المحلية إلى نتائج تحولية محتملة في أوقات الأزمات. والواقع أن الإنجازات التي حققتها هذه المبادرات الشعبية تحققت جزئياً بفضل قدرتها على وضع المنظمات غير الحكومية الدولية والجامعات وغيرها من الجهات الفاعلة الإنمائية لدعم الأهداف التي تصاغ محلياً بدلاً من تلك التي تفرضها مقرات المنظمات على ما يسمى "المناطق المستهدفة". هذه الدراسات والقصص توضح كيف يتعاون أهالي عكار لزيادة قوة التنظيم المجتمعي ورد الفعل المجتمعي، وهي واحدة من القوى الواعدة التي قد تكون الملاذ الأخير ضد الاستغلال المفرط الذي لا يُمكن إصلاحه لأغنى غابات لبنان. وآمل أن يلهم أهالي عكار المبادرات الشعبية في أجزاء أخرى من البلاد والمجتمعات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تواجه الظلم البيئي أو الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في ظل تقاعس الحكومات. وكما اختتم أحد الناشطين المحليين كلامه خلال مقابلتي معه، "مثل طائر العنقاء، نحن نوظف جهودنا في سبيل بعث الغابة إلى الحياة من جديد، ونفعل ذلك بدافع الحب لأرضنا وطبيعتنا".

 

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.