حالة الديمقراطية في العالم العربي 2011

يصدر هذا التقرير في مرحلة استثنائية من تاريخ المنطقة العربية التي تشهد تحولات متفاوتة الأهمية ولكنها تستند بمجملها على حتمية التغيير والانتقال الديمقراطي بنسبه ووصفاته المحلية المتفاوتة.

وبإصدار التقرير الثالث لمبادرة الإصلاح العربي حول حالة الإصلاح في العالم العربي، تحافظ المبادرة على تقليد تتمنى أن يترسّخ في الممارسة السياسية والأكاديمية في منطقتنا بحيث يتم تتبع عمليات الإصلاح والتغيير والتحول بناء على مقاييس ومؤشرات موضوعة بعناية تتناسب مع طبيعة المجتمعات المدروسة .

ويعتبر هذا التقرير مادة أساسية في وضع الدراسات المقارنة حيث أنه يُعطي صورة تستند إلى مؤشرات دقيقة قدر المستطاع وتحليلات علمية للحالة التي كانت عليها المجتمعات المستهدفة قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية وانطلاق المسارات الثورية. وفي التقرير الثالث الذي بين أيديكم معطيات أساسية تساعد على وضع تصوّر داعم لكل التحليلات والدراسات التي بحثت في أسباب ومسببات انطلاقة حركة التغيير. فعلى الرغم من أن الثورات العربية على مختلف أشكالها شكّلت مفاجأة للمتابعين الخارجيين والداخليين، إلا أن عنصر المفاجأة تبلوّر أكثر حول التوقيت والشكل منه حول المضمون والجذور.

ومع انطلاقة المسار الثوري في عديد من الدول العربية المدروسة، اقترح البعض أن تنتقل التسمية من حالة الإصلاح إلى حالة التغيير. ولكن الاعتقاد هو بأن الإصلاح ليس منافياً للتغيير ويمكن أن يكون له عدة أشكال أو طرائق تعبير. وحتى الثورات تدخل في منطق عملية الإصلاح الحقيقي والفعلي والعميق والجذري.

وتعطي المؤشرات المستخدمة في التقرير أداة لقياس التغيير عبر الزن ولمقارنة الأوضاع في الدول العربية المختلفة. ومن المؤكد بأن للمؤشرات سلبيات، منها النظر إلى كل البلدان في إطار واحد، في حين أن التاريخ وطبيعة النظام السياسي وخصوصية كل مجتمع ووتيرة التغيير يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر. بالمقابل، تكمن أهميتها الأساسية في إسناد عملية القياس إلى معايير كونية. فعلى الرغم من محاججة بعض البلدان حول خصوصياتها ومقاومتها لتطبيق المعايير الكونية في مجال السلطة السياسية والتشريعية، فهي قررت إدخال الإصلاحات القانونية في المجال الاقتصادي بما يتلائم مع متطلبات المعايير الكونية في هذا المجال. واعتماداً على هذا، يصبح مشروعاً تقييم أوضاعها السياسية بالاستناد إلى المعايير المقبولة كونياً.

في الأوراق التحليلية، اقتصر التقرير على إيراد انطباعات فورية عن التغيير القائم في مصر وتونس في مراحله الأولى. ومن الضروري الإشارة إلى أن هناك عديد من الأمور والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي لعبت دوراً فاعلاً في مسار التغيير، لا تجد لها مكاناً في الدراسات التحليلية للتقرير ولكنها محل اهتمام ومتابعة وبحث من قبل مبادرة الإصلاح العربي وشركائها في المراكز الأعضاء في إطار مشاريعها المتعددة والتي تغطي مجمل المنطقة العربية.

يصدر هذا التقرير استثنائياً في نسخة الكترونية لتسارع الأحداث وتجاوزها للمراحل الزمنية التي استغرقت إعداده. وهذا لم يخفف من أهميته كمرجعية في محاولة فهم وتبصر التحولات الجارية. وستحافظ مبادرة الإصلاح العربي على تقليد النسخ الورقي والالكتروني في التقرير المقبل الذي سيكون هاماً للغاية لأنه سيتفحّص بوادر التغيير في عديد من البلدان ويساعد في عملية التقييم والتقويم.

في هذا التقرير، عمل فريق واسع من الباحثين العرب بناء على منهجية مشتركة ومدروسة بإشراف المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. وتأمل مبادرة الإصلاح العربي في أن يساهم مقياس الديمقراطية العربي في إحياء نقاش عام علمي حول إمكانية وكيفية الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.