الاصلاح السياسي في السودان

ظل الفكر السياسي السوداني عموما، يتجنب الحديث عن الاصلاح باعتباره مفهوماً أقل من طموحات العملية السياسية والتطور الذي اختطه السودان منذ الاستقلال عام 1956. اذ يعتقد السودانيون انهم اكثر تقدماً في مجال الديمقراطية من كثير من الدول العربية والافريقية. فقد عرفوا التعدد الحزبي الذي شمل حتى الحزب الشيوعي، كما انتصروا في انتفاضتين شعبيتين ضد نظم دكتاتورية، واعادوا النظام الديمقراطي. فهم يفضلون في حالة النكسة والتراجع عن الوضع الديمقراطي استخدام مصطلحات مثل "التحول الديمقراطي" أو "استعادة الديمقراطية". ولكن التجربة السودانية هذه المرة اختلفت كثيرا عن ذلك التاريخ، بسبب طبيعة النظام الحاكم، ووضعية الاحزاب الفاقدة لأي حيوية وخيال سياسيان، واختلال التركيبة السكانية، وآثار النزاعات المسلحة، وكثافة التدخلات الاجنبية. وحيال كل المشكلات الناجمة عن هذا الوضع المتشابك، وتعثر تحقق الطموحات العامة للسودانيين، أقامت السلطة القائمة نظاماً "أمنوقراطياً" بات يتحكم في تحديد مسار التطور السياسي السوداني. وهو لا يستخدم اساليب القمع الفجة بل يستند على بنية متكاملة من الترهيب والترغيب، ويهدف الى إدارة الفراغ السياسي القائم والى تأبيده في آن. ومن الواضح ان جهاز الامن هو الاكثر حداثة والأحسن تنظيماً، والأغنى بسبب الميزانية المفتوحة التي لا تخضع للمساءلة البرلمانية او القانونية. وهكذا ينتشر الجهاز في كل مفاصل الخدمة المدنية والمجتمع عامة، مما يجعله قادراً على السيطرة والهيمنة اكثر من أي مؤسسة حكومية او حزبية اخرى. وينطبق عليه، الى حد ما، وجزئياً، التحليل السياسي التقليدي لدور الجيش في الحياة السياسية العربية.

تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.